قوله : (مِنَ الْبَعْثِ). يجوز أن يتعلق ب (رَيْبَ) ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل (رَيْبَ)(١). وقرأ الحسن «البعث» بفتح العين (٢) ، وهي لغة كالطرد والحلب في الطرد والحلب(٣) بالسكون. قال أبو حيان : والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف فيما وسطه حرف حلق كالنهر والنهر ، والشعر والشعر ، والبصريون لا يقيمونه ، وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان (٤)(٥). وهذا يوهم ظاهره أن الأصل : البعث ـ بالفتح ـ وإنما خفف ، وليس الأمر كذلك وإنما محل النزاع إذا سمع الحلقي مفتوح العين هل يجوز تسكينه أم لا؟ لا أنه كلما جاء ساكن العين من ألحقها يدعي أن أصلها بالفتح كما هو ظاهر عبارته.
قوله : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي : خلقنا أصلكم وهو آدم من تراب نظيره قوله : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(٦) وقوله : (مِنْها خَلَقْناكُمْ)(٧)(٨). ويحتمل أن خلقة الإنسان من المني ودم الطمث وهما إنما يتولدان من الأغذية ، والأغذية إما حيوان أو نبات ، وغذاء الحيوان ينتهي إلى النبات قطعا للتسلسل والنبات إنما يتولد من الأرض والماء فصح قوله : «إنا خلقناكم من تراب» (٩).
فصل
قال النووي (١٠) في التهذيب : التراب معروف ؛ والمشهور الصحيح الذي قاله الفراء والمحققون أنه جنس لا يثنى ولا يجمع (١١). ونقل أبو عمر الزاهد (١٢) في شرح الفصيح
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ٩٣٣.
(٢) المختصر (٩٤) ، البحر المحيط ٦ / ٣٥٢.
(٣) والحلب : سقط من الأصل.
(٤) ذهب الكوفيون إلى أن ما كان على (فعل) بفتح الفاء وسكون العين وكانت عينه حرفا حلقيا جاز تحريكه بالفتح نحو الشعر والشعر والبحر والبحر لمناسبة حرف الحلق للفتح ، فجعلوا المفتوح العين فرعا لساكنها ، ورأوا هذا قياسا في كل فعل شأنه ما ذكرناه.
وذهب البصريون إلى أن ما جاء من هذا فيه اللغتان تكلم به على ما جاء وما كان لم يسمع لم يجز فيه التحريك نحو وعد ، لأنك لا تقول : لك علي وعد أي : علي وعدة.
معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١١ ، شرح الشافية ١ / ٤٧.
(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٥٢.
(٦) من قوله تعالى : «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [آل عمران : ٥٩].
(٧) من قوله تعالى : «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى» [طه : ٥٥]. الفخر الرازي ٢٣ / ٨.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨.
(١٠) تقدم.
(١١) قال الرضي : (وعند الفراء كل ما له واحد من تركيبه سواء كان اسم جمع كباقر وركب أو اسم جنس كتمر وروم ، فهو جمع وإلا فلا. وأما اسم الجمع واسم الجنس اللذان ليسا لهما واحد من لفظهما فليسا بجمع اتفاقا نحو إبل وتراب وإنما لم يجىء لمثل تراب وخل مفرد بالتاء إذ ليس له فرد متميز عن غيره كالتفاح والتمر والجوز) شرح الكافية ٢ / ١٧٨.
(١٢) هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر الزاهد المطرز اللغوي غلام ثعلب ، ومن مصنفاته ـ