الزمخشري : أتى هنا ب «أعين» صيغة القلة دون (عيون) صيغة الكثرة ، إيذانا بأنّ عيون المتقين قليلة بالنسبة إلى عيون غيرهم (١). وردّه أبو حيان بأن أعينا يطلق على العشرة فما دونها ، وعيون المتقين كثيرة فوق العشرة (٢). وهذا تحمّل عليه ، لأنّه إنما أراد القلة بالنسبة إلى كثرة غيرهم ، ولم يرد قدرا مخصوصا.
فصل
أراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال ، قال الزجاج : يقال : أقرّ الله عينك ، أي : صادف فؤادك ما يحبه (٣) وقال المفضل : في قرة العين ثلاثة أقوال :
أحدها : برد دمعتها ، وهي التي تكون مع السرور ، ودمعة الحزن حارة.
الثاني : فرحها ، لأنه يكون مع ذهاب الحزن والوجع.
الثالث : قال الأزهري (٤) : حصول الرضا (٥).
قوله : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) في «إماما» وجهان :
أحدهما : أنه مفرد ، وجاء به مفردا إرادة للجنس (٦) ، وجنسه كونه رأس فاصلة (٧).
(أو المراد : اجعل كل واحد منا إماما (٨). كما قال (نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً)) (٩) [الحج : ٥].
قال الفراء : قال «إماما» ولم يقل : أئمة. كما قال للاثنين (١٠)(إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١١) [الشعراء : ١٦]. وقيل : أراد أئمة كقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) [الشعراء : ٧٧] ، وإمّا لاتحادهم و (١٢) اتفاق كلمتهم (١٣) ، وإمّا لأنّه مصدر في الأصل كصيام وقيام (١٤).
الثاني : أنه جمع (١٥) آمّ كحالّ وحلال ، أو جمع إمامة كقلادة وقلاد (١٦).
قال القفال : وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل : اجعلنا
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٠٦.
(٢) البحر المحيط ٦ / ٥١٧.
(٣) لم أعثر على ما قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه. وهو في الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.
(٤) بالمعنى. التهذيب (قر) ٨ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٥.
(٦) انظر البيان ٢ / ٢١٠.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٧.
(٨) المرجع السابق.
(٩) ما بين القوسين ساقط من ب.
(١٠) في ب : للراسين. وهو تحريف.
(١١) معاني القرآن ٢ / ٢٧٤. بتصرف يسير.
(١٢) في ب : في.
(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٥١٧.
(١٤) انظر القرطبي ١٣ / ٨٣ والتبيان ٢ / ٩٩٢.
(١٥) انظر معاني القرآن للأخفش ٢ / ٦٤٣ ، ونقل القرطبي هذا الوجه عن الأخفش قال : (قال الأخفش : الإمام جمع آم من أمّ يؤم جمع على فعال نحو صاحب وصحاب ، وقائم وقيام) القرطبي ١٣ / ٨٣.
(١٦) انظر البيان ٢ / ٢١٠ ، التبيان ٢ / ٩٩٢.