قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠) وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً)(٧١)
قوله (١) : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ) الآية. قال ابن عباس : إن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، فأتوا محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالوا (٢) : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية (٣) ، ونزل (يا عِبادِيَ)(٤)(الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣] وروي أن رجلا قال : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال : «أن تدعو لله ندا وهو خلقك» قال : ثم أي؟ قال : «ثم أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك» قال : ثم أي؟ قال : «أن تزاني حليلة جارك» فأنزل الله تصديقها هذه الآية (٥).
فإن قيل : إن الله تعالى ذكر أن من صفات عباد الرحمن الاحتراز عن الشرك والقتل والزنا ، فلو كان الترتيب (٦) بالعكس كان أولى؟ فالجواب : أن الموصوف بتلك الصفات السالفة قد يكون متمكنا بالشرك تدينا ، ويقتل المولود تدينا ، ويزني تدينا ، فبين تعالى أن المرء لا يصير بتلك الخصال وحدها من عباد الرحمن حتى يتجنب هذه الكبائر. وأجاب الحسن فقال : المقصود من ذلك التنبيه (٧) على الفرق بين سيرة المسلمين وسيرة الكفار كأنه قال : وعباد الرحمن هم الذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، وأنتم تدعون، (وَلا يَقْتُلُونَ) وأنتم تقتلون الموءودة ، (وَلا يَزْنُونَ) وأنتم تزنون (٨).
قوله : (إِلَّا بِالْحَقِّ) يجوز أن تتعلق الباء بنفس «يقتلون» أي : لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ، وأن تتعلق بمحذوف على أنها صفة للمصدر ، أي : قتلا ملتبسا بالحق (٩) ، أو على أنها حال أي : إلّا ملتبسين بالحق (١٠).
__________________
(١) في ب : قوله تعالى.
(٢) في ب : فقال.
(٣) انظر أسباب النزول للواحدي (٢٤٩) والقرطبي ١٣ / ٧٦.
(٤) في ب : يا عباد.
(٥) أخرجه البخاري (تفسير) ٣ / ١٦٩. أبو داود (طلاق) ٢ / ٧٣٢ ـ ٧٣٣ ، الترمذي (تفسير) ٥ / ١٧ ، ١٨ ، النسائي (تحريم) ٧ / ٨٩ ـ ٩٠ ، أحمد ١ / ٣٨٠ ، ٤٣١ ، ٤٣٤. وانظر أسباب النزول للواحدي (٢٤٩ ـ ٢٥٠). القرطبي ١٣ / ٧٥.
(٦) في ب : بالترتيب.
(٧) في ب : النسبة.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٠ ـ ١١١.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٠٤.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٩١.