لمحذوف (١) ، أي : لنثبت فعلنا ذلك. وإما منصوبته (٢) على الحال ، أي : أنزل مثل ذلك ، أو على النعت لمصدر محذوف ، و «لنثبت» متعلقة بذلك الفعل المحذوف (٣) وقال أبو حاتم : هي جواب قسم(٤). وهذا قول مرجوح نحا إليه الأخفش (٥) ، وجعل منه «ولتصغى» (٦) ، وقد تقدم في الأنعام. وقرأ عبد الله «ليثبت» بالياء (٧) أي الله تعالى.
فصل
هذا جواب عن شبهتهم ، وبيانه من وجوه :
أحدها : أنه ـ عليهالسلام ـ لم يكن من أهل الكتابة والقراءة (٨) ، فلو نزل ذلك عليه جملة واحدة كان (٩) لا يضبطه وجاز عليه فيه الخطأ والغلط.
وثانيها : أن من كان الكتاب عنده ، فربما اعتمد على الكتاب وتساهل في الحفظ ، فالله (١٠) تعالى ما أعطاه الكتاب جملة واحدة بل كان ينزل عليه وظيفة ، ليكون حفظه له أكمل ، فيكون أبعد عن المساهمة وقلة التحصيل.
وثالثها : أنه تعالى لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة على الخلق ، فكان يثقل عليهم ذلك فلما (١١) نزل مفرقا منجما نزلت التكاليف قليلا قليلا ، فكان تحملها أسهل.
ورابعها : أنه إذا شاهد جبريل حالا بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته على أداء ما حمل ، وعلى الصبر على عوارض النبوة ، وعلى احتمال الأذى وعلى التكاليف الشاقة.
وخامسها : أنه لما تم (١٢) شرط الإعجاز فيه مع كونه منجما ثبت كونه معجزا ؛ فإنه لو كان ذلك مقدورا للبشر لوجب أن يأتوا بمثله منجما مفرقا ، ولما عجزوا عن معارضة نجومه المفرقة ، فعن معارضة الكل أولى.
وسادسها : كان القرآن ينزل بحسب أسئلتهم ووقائعهم ، فكانوا يزدادون بصيرة ، وكان ينضم إلى الفصاحة الإخبار عن الغيوب.
وسابعها : أن السفارة بين الله وبين أنبيائه ، وتبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم ، فيحتمل أن يقال : إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة لبطل المنصب على
__________________
(١) في ب : بمحذوف.
(٢) في ب : منصوبة.
(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٨٥.
(٤) أي : اللام في «لنثبت» ، والتقدير : والله ليثبتن ، فحذفت النون وكسرت اللام. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٧.
(٥) قال الأخفش :(«ولتصغى إليه أفئدة الّذين لا يؤمنون بالآخرة» أي : ولتصغين) معاني القرآن ٢ / ٥٥٨.
(٦) من قوله تعالى : «وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ»[الأنعام : ١١٣].
(٧) المختصر (١٠٤) ، تفسير ابن عطية ١١ / ٣٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٧.
(٨) في ب : القراءة والكتابة.
(٩) في ب : فإنه.
(١٠) في ب : والله.
(١١) في ب : فيما.
(١٢) تم : تكملة من الفخر الرازي.