و (تَرَى النَّاسَ سُكارى) من الخوف (وَما هُمْ بِسُكارى) من الشراب (١). وقيل : معناه كأنهم سكارى (٥) ، ولكن ما أرهقهم (٢) من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم (٣).
فإن قيل : هل يحصل ذلك الخوف لكل أحد أو لأهل النار خاصة؟
فالجواب : قال قوم إن الفزع الأكبر وغيره يختص بأهل النار ، وإن أهل الجنة يحشرون وهم آمنون ، لقوله : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ)(٤) وقيل : بل يحصل للكل ؛ لأنه سبحانه لا اعتراض (٥) عليه في شيء من أفعاله (٦).
فصل
احتجت المعتزلة (٧) بقوله (إِنَّ زَلْزَلَةَ (٨) السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) وصفها بأنها شيء مع أنها معدومة. وبقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٩) فالشيء الذي قدر الله عليه إما أن يكون موجودا أو معدوما ، والأول محال وإلا لزم كون القادر قادرا على إيجاد الموجود ، وإذا بطل هذا (١٠) ثبت أن الشيء الذي قدر الله عليه معدوم ، فالمعدوم شيء (واحتجوا أيضا بقوله تعالى : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١١) أطلق اسم الشيء على المعدوم في الحال ، فالمعدوم شيء) (١٢). وأجيب عن الأول أن الزلزلة عبارة عن الأجسام المتحركة. وهي جواهر قامت بها أعراض ، وتحقق ذلك في العدم محال ، فالزلزلة (١٣) يستحيل أن تكون شيئا حال عدمها ، فلا بد من التأويل ، ويكون المعنى أنها إذا وجدت صارت شيئا وهذا هو الجواب عن الباقي (١٤).
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ)(٤)
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ)(١٥) الآية. في النظم وجهان :
الأول : أنه أخبر فيما تقدم عن أهل القيامة وشدتها ، ودعا الناس إلى تقوى الله ، ثم
__________________
(١) انظر البغوي ٥ / ٥٤٨.
(٥) في ب : لا إعراض. وهو تحريف.
(٢) في ب : ما رهقهم.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥.
(٤) [الأنبياء : ١٠٣].
(٥) في ب : لا إعراض. وهو تحريف.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٤ ـ ٥.
(٨) في ب : لزلزلة. وهو تحريف.
(٩) [البقرة : ٢٠] ، وغير ذلك في مواطن كثيرة من القرآن الكريم.
(١٠) هذا : سقط من ب.
(١١) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤].
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٣) في الأصل : في الزلزلة. وهو تحريف.
(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٤ ـ ٥.
(١٥) في الله : سقط من الأصل.