قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)(٤٩)
قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ) الآية. يجوز أن يكون «هارون» بدلا (١) ، وأن يكون بيانا ، وأن يكون منصوبا بإضمار أعني. واختلفوا في الآيات (٢) ، فقال ابن عباس : هي الآيات التسع وهي العصا ، واليد ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، والبحر ، والسنين ، ونقص الثمرات. وقال الحسن : «بآياتنا» أي : بديننا. واحتج بأن المراد لو كان الآيات وهي المعجزات ، والسلطان المبين : هو أيضا المعجز ، لزم منه عطف الشيء على نفسه.
والأول أقرب ، لأنّ لفظ الآيات إذا ذكر مع الرسول فالمراد به المعجزات.
وأما احتجاجه فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أنّ المراد بالسلطان المبين : يجوز أن يكون أشرف معجزاته ، وهي العصا ، لأن فيها معجزات شتّى من انقلابها حيّة وتلقّفها (٣) ما (٤) صنع السحرة ، وانفلاق البحر ، وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها ، وكونها حارسا ، وشمعة ، وشجرة مثمرة ، ودلوا ، ورشاء ، فلاجتماع هذه الفضائل فيها أفردت بالذكر كقوله : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ)(٥).
والثاني : يجوز أن يكون المراد (٦) بالآيات نفس تلك (٧) المعجزات ، وبالسلطان المبين كيفيّة دلالتها على الصدق ، فلأنها (٨) وإن شاركت آيات سائر الأنبياء في كونها آيات فقد فارقتها في قوة دلالتها على قبول قول موسى ـ عليهالسلام (٩) ـ.
الثالث : أن يكون المراد بالسلطان المبين استيلاء موسى ـ عليهالسلام ـ عليهم في الاستدلال على وجود الصانع ، وإثبات النبوّة ، وأنه ما كان يقيم لهم قدرا ولا وزنا.
واعلم أنّ الآية تدل على أنّ معجزات موسى كانت معجزات هارون أيضا وأنّ النبوة مشتركة بينهما ، فكذلك (١٠) المعجزات (١١). ثم قال : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا) وتعظموا عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) متكبرين قاهرين غيرهم (١٢) بالظلم.
قوله : «لبشرين» بشر يقع على الواحد والمثنى والمجموع ، والمذكر والمؤنث (١٣)
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ٩٥٥.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٢.
(٣) في ب : تلفقها.
(٤) في الأصل : مع ما.
(٥) من قوله تعالى : «مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ» [البقرة : ٩٨].
(٦) في ب : يجوز أن يراد.
(٧) تلك : سقط من ب.
(٨) في ب : لأنها.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) في ب : وكذلك.
(١١) آخر ما نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٢.
(١٢) في ب : غرهم. وهو تحريف.
(١٣) اللسان (بشر).