هذه الآية على أنه (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) في اعتقادكم وظنكم كقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(١).
وجواب ثان ، وهو أنّ الخالق هو المقدر ، لأن الخلق هو التقدير ، فالآية تدل على أنه تعالى أحسن المقدرين ، والتقدير يرجع معناه إلى الظن والحسبان ، وذلك في حق الله تعالى محال ، فتكون الآية من المتشابه.
وجواب ثالث : أنّ الآية تقتضي كون العبد خالقا بمعنى كونه مقدرا لكن لم قلت إنه خالق بمعنى كونه موحدا.
فصل
قالت المعتزلة : الآية تدل على أنّ كل ما خلقه الله حسن وحكمة وصواب وإلا لما جاز وصفه بأنه أحسن الخالقين ، وإذا كان كذلك وجب أن لا (٢) يكون خالقا للكفر والمعصية ، فوجب أن يكون العبد هو الموجد (٣) لهما (٤).
وأجيب بأنّ من الناس من حمل الحسن على الأحكام والإتقان في (٥) التركيب والتأليف ، ثم لو حملناه على ما قالوه فعندنا أنه يحسن من الله كل الأشياء ، لأنه ليس فوقه أمر ونهي حتى يكون ذلك مانعا له عن فعل شيء (٦).
فصل
روى الكلبي عن ابن عباس (٧) أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب هذه الآيات لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما انتهى إلى قوله : (خَلْقاً آخَرَ) عجب من ذلك فقال : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اكتب فهكذا نزلت» فشك عبد الله وقال : إن كان محمد صادقا فيما يقول ، فإنه يوحى إليّ كما يوحى إليه ، وإن كان كاذبا فلا خير في دينه ، فهرب إلى مكة ، فقيل : إنه مات على الكفر ، وقيل : إنه أسلم يوم الفتح (٨) وروى سعيد (٩) بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب : فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال رسول الله : «هكذا أنزل يا عمر».
وكان عمر يقول : وافقني ربي في أربع : الصلاة خلف المقام ، وضرب الحجاب على النسوة ، وقولي لهنّ : أو ليبدله الله خيرا منكنّ ، فنزل قوله : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ)(١٠) ، والرابع قوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(١١) قال العارفون : هذه الواقعة
__________________
(١) من قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» [الروم : ٢٧].
(٢) لا : سقط من ب.
(٣) في ب : الموجب. وهو تحريف.
(٤) في النسختين : لها. والصواب ما أثبته.
(٥) في ب : و.
(٦) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٧.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٧.
(٨) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٥).
(٩) في الأصل : سعد. وهو تحريف.
(١٠) من قوله تعالى : «عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ» [التحريم : ٥].
(١١) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٥) الدر المنثور ٥ / ٧.