قال الزجاج : «وهذا التأويل فاسد من وجهين :
الأول : أنه ما ورد النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج ، ولم يرد البتة بمعنى الوطء.
الثاني : أن ذلك يخرج الكلام عن الفائدة ، لأنا لو قلنا : المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية فالإشكال عائد ، لأنا نرى الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها ، ولو قلنا : المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية حين يكون وطؤه زنا ، فهذا كلام لا فائدة فيه» (١).
فإن قيل : أي فرق بين قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) وبين قوله : «الزّانية لا ينكحها إلّا زان»؟
فالجواب أن الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية ، بخلاف الزانية فقد ترغب في نكاح غير الزاني ، فلا جرم بيّن ذلك بالكلام الثاني (٢).
فإن قيل : لم قدم الزانية على الزاني في أول السورة وهاهنا (٣) بالعكس؟
فالجواب : سبقت تلك الآية على عقوبتها لخيانتها ، فالمرأة هي المادة في الزنا ، وأما هاهنا فمسوقة لذكر النكاح ، والرجال أصل فيه ، لأنه هو الراغب الطالب (٤).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ..) الآية هي كقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) فيعود فيه ما تقدم بحاله (٥) ، وقوله : «المحصنات» فيه وجهان :
أحدهما : أن المراد به النساء فقط ، وإنما خصّهنّ بالذكر لأن قذفهنّ أشنع.
والثاني : أن المراد بهن النساء والرجال ، وعلى هذا فيقال : كيف غلّب المؤنث على المذكر؟
والجواب أنه صفة لشيء محذوف يعمّ الرجال والنساء ، أي : الأنفس المحصنات ، وهو بعيد (٦) أو تقول : ثمّ معطوف محذوف لفهم المعنى ، وللإجماع على أن حكمهم حكمهنّ أي : والمحصنين.
قوله : (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) العامة على إضافة اسم العدد للمعدود ، وقرأ أبو زرعة
__________________
(١) انظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٩ ـ ٣٠.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥٢.
(٣) في ب : وهنا.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٥٢.
(٥) تقدم قبل صفحات.
(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣١.