«دمّرناهم» (١) ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر قوله : «أغرقناهم» (٢) وترجح هذا بتقديم جملة فعلية قبله. هذا إذا قلنا : إن «لما» ظرف زمان (٣) ، وأما إذا (٤) قلنا إنها حرف وجوب لوجوب فلا يتأتى ذلك ، لأن «أغرقناهم» حينئذ جواب «لما» ، وجوابها لا يفسر (٥) ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر لا على سبيل الاشتغال ، أي : اذكر قوم نوح (٦).
فصل
إنما قال : (كَذَّبُوا الرُّسُلَ) إما لأنهم كانوا من البراهمة المنكرين لكل الرسل ، أو (٧) لأن تكذيبهم (٨) لواحد تكذيب للجميع ، لأن من كذب رسولا واحدا فقد كذب جميع الرسل (٩).
وقوله «أغرقناهم». قال الكلبي : أمطرنا عليهم السماء أربعين يوما ، وأخرج ماء الأرض أيضا في تلك الأربعين ، فصارت (١٠) الأرض بحرا واحدا (١١). «وجعلناهم» أي : جعلنا إغراقهم وقصتهم «للناس آية» للظالمين أي : لكل من سلك سبيلهم ، (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) في الآخرة (عَذاباً أَلِيماً)(١٢).
قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ) الآية ، «وعادا» فيه ثلاثة أوجه :
أن يكون معطوفا على «قوم نوح» (١٣) ، وأن يكون معطوفا على مفعول «جعلناهم» (١٤) وأن يكون معطوفا على محل «للظّالمين» لأنه في قوة وعدنا الظالمين بعذاب (١٥). قوله : (وَأَصْحابَ الرَّسِّ) فيه (١٦) وجهان :
__________________
(١) انظر البيان ٢ / ٢٠٤ ، التبيان ٢ / ٩٨٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٨.
(٢) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٣٩ ، البيان ٢ / ٢٠٤ ، التبيان ٢ / ٩٨٦.
(٣) تبعا لابن السراج والفارسي ومن تبعهما في أنها ظرف بمعنى حين. انظر المغني ١ / ٢٨٠.
(٤) في ب : إن.
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٩٨.
(٦) انظر البيان ٢ / ٢٠٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٨. وقال الفراء : إنه منصوب ب «أغرقناهم». معاني القرآن ٢ / ٢٦٨ وردّه النحاس ، فإنه قال : (وهذا لا يحصل لأن (أغرقنا) ليس مما يتعدى إلى مفعولين فيعمل في المضمر وفي «قوم نوح») إعراب القرآن ٣ / ١٦١.
(٧) في ب : و. وهو تحريف.
(٨) في الأصل : تكذبهم.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨١.
(١٠) في ب : لصارت.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٨١.
(١٢) المرجع السابق.
(١٣) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٨.
(١٤) قاله الزجاج. معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٩ ، وقال النحاس : (وهو أولى : لأنه أقرب إليه) إعراب القرآن ٣ / ١٦١ ، ورده ابن الأنباري ، فإنه قال : (ولا يجوز أن يكون بالعطف على «وجعلناهم») البيان ٢ / ٢٠٥ ، ولا وجه له لأن جميع هذه الأمم قد صارت آية لمن أتوا بعدهم من الأمم.
(١٥) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٦٩ ، الكشاف ٣ / ٩٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٩٨.
(١٦) فيه : سقط من ب.