وفي قذف الزوجة يسقط الحد عنه بأحد هذين الأمرين وباللعان.
وإنما اعتبر الشارع اللعان في الزوجات دون الأجنبيات ، لأنه لا معيرة عليه في زنا الأجنبية ، والأولى له سترة. وأما في الزوجة فيلحقه (١) العار والنسب الفاسد ، فلا يمكنه الصبر عليه (٢).
فصل
إذا قذف زوجته ونكل (٣) عن اللعان لزمه (٤) حد القذف ، فإذا لاعن ونكلت عن اللعان لزمها حد الزنا (٥). وقال أبو حنيفة : يجلس الناكل منهما حتى يلاعن.
حجة القول الأول : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)(٦) ثم عطف عليه حكم الأزواج فقال : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ...) الآية ؛ فكما أن مقتضى قذف الأجنبيات الإتيان بالشهود أو الجلد ، فكذا موجب قذف الزوجات الإتيان باللعان أو الحد.
وأيضا قوله : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ)(٧) والألف واللام في «العذاب» للمعهود السابق وهو الحدّ ، وليسا للعموم ، لأنه لم يجب عليها جميع أنواع العذاب. ومما يدل على بطلان الحبس في حق المرأة أن تقول : إن كان الرجل صادقا فحدّوني ، وإن كان كاذبا فخلوني. وليس حبس في كتاب الله وسنة رسوله ولا الإجماع ولا القياس. واحتج أبو حنيفة بأن المرأة ما فعلت سوى أنها تركت اللعان وهذا الترك (٨) ليس بينة على الزنا ولا إقرارا منها به ، فوجب ألا يجوز رجمها لقوله عليهالسلام(٩) : «لا يحلّ دم امرىء مسلم» (١٠) الحديث. وإذا لم يجب الرجم إذا كانت محصنة لم يجب الجلد في غير المحصّن ، لأن لا قائل بالفرق. وأيضا فالنكول بصريح الإقرار ، فلم يجز إثبات الحد به كاللفظ المحتمل للزنا وغيره (١١).
__________________
(١) في ب : فيحلقه. وهو تحريف.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٧.
(٣) نكل الرجل عن الأمر ينكل نكولا إذا جبن عنه. اللسان (نكل).
(٤) في ب : لزم.
(٥) وهو قول الشافعي. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٧.
(٦) من الآية (٤) من السورة نفسها.
(٧) من الآية (٨) من السورة نفسها.
(٨) في ب : القول. وهو تحريف.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) قال عليهالسلام : «لا يحلّ دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني ، والمارق من الدين التارك للجماعة».
أخرجه البخاري (ديات) ٤ / ١٨٨ ، مسلم (قسامة) ٣ / ١٣٠٢ ـ ١٣٠٣ ، أبو داود (حدود) ٤ / ٥٢٢ ، الترمذي (حدود) ٢ / ٤٥٠ ، النسائي (قسامة) ٧ / ١٣ ، ابن ماجه (حدود) ٢ / ٨٤٧ ، أحمد ١ / ٦١ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٧٠ ، ١٦٣ ، ٣٨٢ ، ٤٢٨ ، ٤٤٤ ، ٤٦٥ ، ٦ / ١٨١.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٧ ـ ١٦٨.