خلل فيه ولا تفاوت حتى (١) يجيء قوله : «فقدره تقديرا» مفيدا (٢) إذ لو حملنا (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) على معناه الأصلي من التقدير لصار الكلام : وقدر كل شيء فقدره (٣).
فصل
قوله : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) يدل على أنه تعالى خلق الأعمال من وجهين :
الأول : أن قوله : (كُلَّ شَيْءٍ) يتناول جميع الأشياء ، ومن جملتها أفعال العباد.
والثاني : أنه تعالى نفى الشريك ، فكأن قائلا قال : ههنا أقوام معترفون بنفي الشريك والأنداد ومع ذلك يقولون بخلق أفعال أنفسهم ، فذكر الله تعالى هذه الآية ردا عليهم. قال القاضي : الآية تدل عليه لوجوه :
أحدها : أنه تعالى صرح بكون العبد خالقا فقال : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [المائدة : ١١٠] ، وقال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] و (٤) تمدح بأنه قدره تقديرا ، ولا يجوز أن يريد به إلا الحسن والحكمة دون غيره. فظاهر الآية لا يدل إلا على التقدير ، لأن الخلق عبارة عن التقدير ، فلا يتناول إلا ما يظهر فيه التقدير وهو الأجسام لا الأعراض. والجواب : أن قوله : «إذ تخلق» ، وقوله : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) معارض بقوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢] وبقوله : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] وقولهم : لا يجوز التمدح بخلق الفساد ، فالجواب : لم لا يجوز أن يتمدح به من حيث نفاذ القدرة (٥).
قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً)(٣)
قوله تعالى (٦) : (وَاتَّخَذُوا) يجوز أن يعود الضمير على الكفار الذين تضمنهم لفظ العالمين (٧) ، وأن يعود على من ادّعى لله (٨) شريكا وولدا ، لدلالة (٩) قوله : (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)(١٠) وأن يعود على المنذرين ، لدلالة «نذيرا» عليهم (١١).
__________________
(١) في ب : قد.
(٢) في ب : مفيد.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ٨٨ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٤٧.
(٤) و : سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤٦ ـ ٤٧.
(٦) تعالى : سقط من ب.
(٧) حكاه أبو حيان عن الكرماني. البحر المحيط ٦ / ٤٨١.
(٨) لله : سقط من ب.
(٩) في ب : لدلالة لأن.
(١٠) قال أبو حيان : (الضمير في «واتخذوا» عائد على ما يفهم من السياق ، لأن في قوله : «وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ» دلالة على ذلك). البحر المحيط : ٦ / ٤٨١.
(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨١.