فصل
لما شرح صفات القيامة استدل على وجودها بأنّه لو لا القيامة لما تميّز المطيع عن العاصي ، والصديق عن الزنديق ، وحينئذ يكون هذا العالم عبثا (١) ، وهو كقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)(٢). والمعنى : أنّما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله عزوجل (٣).
روي أن رجلا مصابا مرّ به على ابن مسعود فرقاه (٤) في أذنيه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) حتى ختمها ، فبرأ ، (فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم بماذا رقيته في أذنه فأخبره) (٥) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلا موقنا قرأها على جبل لزال» (٦) ثم نزّه نفسه عما يصفه به المشركون فقال : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) ، والملك : هو المالك للأشياء الذي لا يزول ملكه وقدرته ، والحقّ : هو الذي يحق له الملك ، لأنّ كل شيء منه وإليه ، والثابت الذي لا يزول ملكه (٧).
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) قرأ العامة «الكريم» مجرورا نعتا للعرش ، وصف بذلك لتنزّل الخيرات منه والبركات والرحمة. أو لنسبته (٨) إلى أكرم الأكرمين ، كما يقال : بيت كريم إذا كان ساكنوه كراما (٩). وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل عن (١٠) ابن كثير وأبان بن تغلب بالرفع (١١) وفيه وجهان :
أحدهما : أنّه نعت للعرش أيضا ، ولكنه قطع عن إعرابه لأجل المدح على خبر مبتدأ مضمر. وهذا جيّد لتوافق القراءتين في المعنى.
والثاني : أنه نعت ل (ربّ) (١٢).
فصل
قال المفسرون : العرش السرير الحسن. وقيل : المرتفع (١٣). وقال أبو مسلم : العرش هنا السموات بما فيها من العرش الذي تطوف به الملائكة ، ويجوز أن يراد به
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.
(٢) [القيامة : ٣٦].
(٣) في ب : تعالى.
(٤) في ب : فرواه. وهو تحريف.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن مسعود. الدر المنثور ٥ / ١٧.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩.
(٨) في ب : أو نسبة. وهو تحريف.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ٥٨ ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.
(١٠) في ب : وعن.
(١١) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤ ، الإتحاف ٣٢١.
(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٤١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٢٤.
(١٣) انظر البغوي ٦ / ٤٨.