القاف كذلك ، وربما يرجّح ذلك بما ثبت عن عاصم من قراءته إيّاه بسكون الهاء مع كسر القاف (١). قال شهاب الدين : لم يعن الشاطبيّ بأنّه لم يسكن الهاء قطّ ، الهاء من حيث هي هي (٢) ، وإنما (عنى هاء) (٣) «يتّقه» خاصة ، وكان الشاطبيّ أيضا يعترض التوجيه الذي تقدم عن مكّي ، ويقول : تعليله حذف الصلة بأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدّرة منويّة ، فبقي في حذف الصلة بعد الهاء على أصله غير مستقيم من قبل أنّه قرأ «يؤدهي» (٤) وشبّهه بالصلة ، ولو كان يعتبر (٥) ما قاله من تقدير الياء قبل الهاء لم يصلها (٦).
قال أبو عبد الله : هو وإن قرأ «يؤدّ هي» وشبّهه بالصلة فإنه قرأ : «يرضه» (٧) بغير صلة ، فألحق مكيّ «يتّقه» ب «يرضه» ، وجعله مما خرج فيه عن نظائره لاتّباع الأثر ، والجمع بين اللغتين ، ويرجح ذلك عنده لأنّ اللفظ عليه ، ولما كانت القاف في حكم المكسورة بدليل كسر الهاء بعدها صار كأنه «يتّقه» بكسر القاف والهاء من غير صلة ، كقراءة قالون وهشام في أحد وجهيه (٨) ، فعلّله بما يعلّل به قراءتهما (٩) ، والشاطبيّ يرجح عنده حمله على الأكثر مما قرأ به ، لا على ما قلّ وندر ، فاقتضى تعليله بما ذكر (١٠).
قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) في (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المصدر بدلا من اللفظ بفعله ، إذ أصل : أقسم بالله جهد اليمين : أقسم بجهد اليمين جهدا ، فحذف الفعل وقدّم المصدر موضوعا موضعه ، مضافا إلى المفعول ك (فَضَرْبَ الرِّقابِ)(١١) ، قاله (١٢) الزمخشري (١٣).
والثاني : أنه حال ، تقديره : مجتهدين في أيمانهم ، كقولهم : افعل (١٤) ذلك جهدك وطاقتك. وقد خلط الزمخشريّ الوجهين فجعلهما وجها واحدا فقال بعد ما تقدّم عنه : وحكم هذا المنصوب حكم الحال ، كأنه قيل : جاهدين أيمانهم (١٥) وتقدم الكلام على (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) في المائدة (١٦).
__________________
(١) انظر اللآلىء الفريدة في شرح القصيدة (٥٠).
(٢) هي : سقط من ب.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(٤) من قوله تعالى : «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ» [آل عمران : ٧٥]. وهي قراء ابن كثير والكسائي بياء في اللفظ بعد الهاء صلة لها. السبعة (٢٠٨).
(٥) في ب : بغير.
(٦) انظر الدر المصون ٥ / ١١٦.
(٧) من قوله تعالى : «وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ» [الزمر : ٧]. وقراءة «يرضه» من غير إشباع قراءة ابن عامر ، ونافع في رواية ورش ومحمد بن إسحاق عن أبيه ، وقالون في رواية أحمد بن صالح وابن أبي مهران عن الحلواني عن قالون ، وكذلك قال يعقوب بن جعفر عن نافع. السبعة (٥٦٠).
(٨) السبعة (٤٥٦) ، الإتحاف (٣٢٦).
(٩) في ب : قراءته.
(١٠) انظر الدر المصون ٥ / ١١٦.
(١١) [محمد : ٤].
(١٢) في ب : قال. وهو تحريف.
(١٣) الكشاف ٣ / ٨١.
(١٤) في ب : فعل.
(١٥) الكشاف ٣ / ٨١.
(١٦) عند قوله تعالى :«وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ» [المائدة : ٥٣].