اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)(٦٢)
قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) مبتدأ ، وقوله : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ)(١) جواب قسم مقدر ، والجملة القسمية وجوابها خبر قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا). وفيه دليل على وقوع الجملة القسمية خبرا للمبتدأ. ومن يمنع يضمر قولا هو الخبر يحكي به هذه الجملة القسمية. وهو قول مرجوح (٢).
قوله : «رزقا» يجوز أن تكون مفعولا ثانيا على أنه من باب الرعي والذبح أي : مرزوقا (٣) حسنا. وأن يكون مصدرا مؤكدا (٤).
__________________
ـ أحدها : أن الأرجح كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو المجرور ، ويجوز كونه فاعلا.
الثاني : أن الأرجح كونه فاعلا ، واختاره ابن مالك ، وتوجيهه أن الأصل عدم التقديم والتأخير.
والثالث : أنه يجب كونه فاعلا ، ونقله ابن هشام عن الأكثرين.
وحيث أعرب فاعلا ففي العمل فيه خلاف هل هو الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن استقر وقربهما من الفعل لاعتمادهما ، والمذهب المختار الثاني.
وشرط الاعتماد : مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين والأخفش لا يشترطون ذلك ولذا يجوز عندهم الوجهان في نحو في الدار أو عندك زيد ، وعند البصريين يوجبون الابتداء. انظر المغني ١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.
(١) في ب : «ليرزقنهم».
(٢) والذي منع وقوع جملة القسم خبرا ثعلب فلا يجوز عنده ما زيد والله لأضربنه ، ولعل المانع عنده إما كون جملة القسم لا ضمير فيها فلا تكون ، لأن الجملتين ههنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء ، لأن الجملة الثانية ليست معمولة لشيء من الجملة الأولى ، ولهذا منع بعضهم وقوعها صلة. وإما كون جملة القسم إنشائية ، والجملة الواقعة خبرا لا بد من احتمالها للصدق والكذب ولهذا منع ابن الأنباري أن يقال : زيدا ضربه ، وزيد هل جاءك.
وهذا التعليل ليس بشيء والراجح وقوع جملة القسم خبرا لأن الجملتين (جملة القسم والجواب) مرتبطتان ارتباطا صارتا به كالجملة الواحدة وإن لم يكن بينهما عمل. ولأن الخبر الذي شرطه احتمال الصدق والكذب الخبر الذي هو قسيم الإنسان لا خبر المبتدأ للاتفاق على أن أصله الإفراد ، واحتمال الصدق والكذب إنما هو من صفات الكلام. ولأن السماع قد ورد بما منعه ثعلب كالآية التي معنا وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) [العنكبوت : ٩].
شرح الكافية ١ / ١٩ ، المغني ٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٧ ، الهمع ١ / ٩٦.
(٣) في ب : يرزوقا. وهو تحريف.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.