والاعتراض (١) عليه واضح من حيث أنه أوقع خبر «إنّ» جملة طلبية ، وقد تقدم أنه لا يجوز وإن ورد (٢) منه شيء في الشعر أوّل (٣) كالبيتين المتقدمين (٤). وتقدير ابن عطية ذلك المضاف قبل الموصول ليصحّ به التركيب الكلامي ، إذ لو لم يقدر لكان التركيب «لا تحسبوهم» (٥).
ولا يعود الضمير في «لا تحسبوه» على قول ابن عطية على الإفك لئلا تخلو الجملة من رابط يربطها بالمبتدأ (٦).
وفي قول غيره يجوز أن يعود على الإفك ، أو على القذف ، أو على المصدر المفهوم من «جاءوا» ، أو على ما نال المسلمين من الغم (٧).
فصل
سبب نزول هذه الآية ما روى الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص (٨) وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (٩) كلهم رووا عن عائشة قالت : كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، قالت : فأقرع بيننا في غزوة غزاها قبل بني المصطلق فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعد نزول آية الحجاب ، فحملت في هودج (١٠) فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من غزوته تلك وقفل (١١) دنونا من المدينة قافلين نزل منزلا ثم آذن (١٢) بالرحيل ، فقمت حين آذنوا ومشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني
__________________
(١) في ب : والأعراض.
(٢) ورد : سقط من ب.
(٣) أول : سقط من ب.
(٤) وهما قول الشاعر :
إنّ الرّياضة لا تنصبك للشّيب
وقول الآخر :
وإنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم |
|
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما |
(٥) في ب : لا تحسبونهم. وهو تحريف.
(٦) وإنما يعود على ذلك المحذوف الذي قدره اسم (إنّ) البحر المحيط ٦ / ٤٣٦.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٦.
(٨) هو علقمة بن وقاص بن محيصن بن كلدة ، الليثي المدني ، روى عن عمرو بن العاص ، وعائشة ، وروى عنه ابناه عبد الله وعمرو ، والزهري ، وكان قليل الحديث ، توفي في خلافة عبد الملك بن مروان. تهذيب التهذيب ٧ / ٢٨٠.
(٩) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، كان عالما ، وهو الذي يروي عنه الزهري ، مات سنة ٩٨ ه. المعارف (١١٠).
(١٠) الهودج : مركب من مراكب النساء مقبب ، وقيل : وغير مقبب. اللسان (هدج).
(١١) قفل : أي رجع من غزوته.
(١٢) روي بالمد وتخفيف الذال وبالقصر وتشديدها ، أي : أعلم. شرح النووي ١٧ / ١٠٤.