ميز في هذه الآية قوما من الناس الذين ذكروا في الأولى وأخبر عن مجادلتهم.
الثاني : أنه تعالى بيّن أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها ، قال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(١).
قوله : (مَنْ يُجادِلُ) يجوز أن تكون «من» نكرة موصوفة (٢) ، وأن تكون موصولة ، و (فِي اللهِ) أي : في صفاته (٣) ، و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) مفعول أو حال من فاعل «يجادل» (٤) وقرأ زيد بن عليّ (وَيَتَّبِعُ) مخففا (٥).
فصل
قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث ، كان كثير الجدل ، وكان يقول : الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ، وكان ينكر البعث ، وإحياء من صار ترابا ، ويتبع في جداله في الله بغير علم كل شيطان مريد. والمريد : المتمرد المستمر في الشر (٦). يريد شياطين الإنس ، وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر (٧).
وقيل : أراد إبليس وجنوده ، قال الزجاج : المريد والمارد : المرتفع الأملس. يقال : صخرة مرداء ، أي : ملساء (٨). ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز [حد](٩) مثله (١٠).
قوله : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ) قرأ العامة «كتب» مبنيا للمفعول ، وفتح «أنّ» في الموضعين(١١). وفي ذلك وجهان :
أحدهما : أن (١٢) «أنّه» وما في حيزه في محل نصب لقيامه مقام الفاعل (١٣) ، فالهاء في «عليه» ، وفي «أنّه» تعودان على «من» المتقدمة (١٤). و «من» الثانية يجوز أن تكون شرطية ، والفاء جوابها ، وأن تكون موصولة والفاء زائدة في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط (١٥) ، وفتحت
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٣٢.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥١.
(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٣٢.
(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٥١.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٥١ ـ ٥٥٢.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦.
(٨) النص بلفظه من الفخر الرازي ٢٣ / ٦ ، وبالمعنى من معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤١١.
(٩) حد : تكملة تقتضيها السياق.
(١٠) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤١١ ، الفخر الرازي ٢٣ / ٦.
(١١) البحر المحيط ٦ / ٣٥١ ، الإتحاف (٣١٣).
(١٢) أن : سقط من ب.
(١٣) انظر البيان ٢ / ١٦٨ ، التبيان ٢ / ٩٣٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥١.
(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٥١.
(١٥) انظر البيان ٢ / ١٦٨ ، التبيان ٢ / ٩٣٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٥١.