جميع أنواع البشر في جميع الأوقات ، بدليل أن من أراد تكذيب هذه القضية (١) قال : بل (٢) له بشرى في الوقت الفلاني ، فلما كان ثبوت البشرى في وقت من الأوقات يذكر لتكذيب هذه القضية ، علمنا أن قوله : «لا بشرى» يقتضي نفي جميع البشرى في كل الأوقات ، وشفاعة الرسول لهم من أعظم البشرى فوجب أن لا يثبت ذلك لأحد من المجرمين ، والكلام على التمسك بصيغ العموم ، وقد تقدم مرارا (٣).
فصل
اختلفوا في القائلين (حِجْراً مَحْجُوراً) : فقال ابن جريج : كانت العرب إذا نزلت بهم شدة ، ورأوا ما يكرهون ، قالوا : «حجرا محجورا» ، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة (٤).
قال مجاهد : يعني : عوذا معاذا ، فيستعيذون به من الملائكة (٥).
وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراما محرما أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله (٦). قال مقاتل : إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة (حِجْراً مَحْجُوراً)(٧) أي : حرام محرم عليكم أن تكون (٨) لكم البشرى (٩).
قوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) أي : وعمدنا إلى عملهم.
قوله : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً). الهباء والهبوة : التراب الدقيق. قاله ابن عرفة (١٠).
قال الجوهري : يقال فيه : هبا يهبو : إذا ارتفع ، وأهببته أنا إهباء (١١).
وقال الخليل والزجاج : هو مثل الغبار الداخل في الكوّة يتراءى مع ضوء الشمس (١٢) فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل. وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد (١٣).
__________________
(١) في ب : القضية أن قوله.
(٢) بل : تكملة من الفخر الرازي.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٧٠ ـ ٧١.
(٤) انظر البغوي ٦ / ١٦٨.
(٥) المرجع السابق.
(٦) المرجع السابق.
(٧) فعلى قول ابن جريج ومجاهد الضمير في «يقولون» على الكفار ، وعلى قول ابن عباس ومقاتل يعود على الملائكة.
(٨) في ب : يكونوا.
(٩) انظر البغوي ٦ / ١٦٨.
(١٠) انظر القرطبي ١٣ / ٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٧٨. وابن عرفة هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الملقب بنفطويه ، من أئمة اللغة ، والنحو ، أخذ عن ثعلب والمبرد ، ومن مصنفاته : إعراب القرآن ، المقنع في النحو. الأمثال ، المصادر ، وغير ذلك ، مات سنة ٣٢٣ ه. بغية الوعاة ١ / ٣٢٨ ـ ٣٣٠.
(١١) الصحاح (هبا) ٦ / ٢٥٣٢.
(١٢) قال الخليل : (والهباء دقاق التراب ساطعة ومنثورة على وجه الأرض والهباء المنبث ما يظهر في الكوى من ضوء الشمس) العين (هبو) ٤ / ٦٧ وانظر معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٤.
(١٣) انظر البغوي ٦ / ١٦٩.