فصل
من صح يمينه صح لعانه ، فيجري اللعان بين الرقيقين والذميين والمحدودين ، وكذا إذا كان أحدهما رقيقا ، أو كان الزوج مسلما والمرأة ذمية (١).
فإن قيل : اللعان شهادة ، فوجب ألا يصح إلا من أهل الشهادة. وإنما قلنا : اللعان شهادة ، لقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ) فسمى (٢) اللعان شهادة كقوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ)(٣) ، ولأن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمرهما باللعان بلفظ الشهادة ولم يقتصر على (٤) لفظ اليمين ، وإذا ثبت أن اللعان شهادة وجب ألا تقبل من المحدودين في القذف لقوله : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً)(٥) ، وإذا ثبت ذلك في المحدود ثبت في العبد والكافر ، إما للإجماع على أنهما ليسا من أهل الشهادة ، أو لأنه لا قائل بالفرق.
فالجواب : أن اللعان ليس شهادة في الحقيقة ، بل هو يمين مخصوصة ، لأنه لا يجوز أن يشهد الإنسان لنفسه ولأنه لو كان شهادة لكانت (٦) المرأة تأتي بثمان شهادات لأنها على النصف من الرجل ، ولأنه يصح من الأعمى والفاسق ولا تجوز شهادتهما فإن قيل : الفاسق والفاسقة قد يتوبان. قلنا : وكذلك (٧) العبد قد يعتق فتجوز شهادته (٨).
فصل
قال عثمان البتي (٩) : إذا تلاعن الزوجان لم تقع الفرقة ، لأن اللعان ليس بصريح ولا كناية عن الفرقة ، فلا يفيد الفرقة كسائر الأقوال التي لا إشعار لها بالفرقة ، ولأن أكثر ما فيه أن يكون الزوج صادقا في قوله ، وهذا لا يوجب تحريما ، (ألا ترى أنه لو قامت البينة عليها لم يوجب ذلك تحريما) (١٠) ، فإذا كان كاذبا والمرأة صادقة فأولى ألا يوجب تحريما. وأيضا لو تلاعنا فيما بينهما لم يوجب الفرقة ، فكذا عند الحاكم. وأيضا فاللعان قائم مقام الشهود في قذف الأجنبيات ، فكما أنه لا فائدة في إحضار الشهود هناك إلا إسقاط الحد (فكذا اللعان لا تأثير له إلا إسقاط الحد) (١١).
__________________
(١) وهو قول الشافعي. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٨.
(٢) في ب : سمى.
(٣) [البقرة : ٢٨٢].
(٤) على : سقط من ب.
(٥) من الآية (٤) من السورة نفسها.
(٦) في ب : فكانت.
(٧) في ب : وكذلك قلنا.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٦٩.
(٩) هو عثمان بن سليمان بن جرموز ، كان من أهل الكوفة ، فانتقل إلى البصرة ، وهو مولى لبني زهرة ، وكان يبيع البتوت فنسب إليها. المعارف (٥٩٦).
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) ما بين القوسين سقط من ب.