«لعلّ الله نظر إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم» (١) فكيف صدرت الكبيرة منه بعد أن كان بدريّا؟
والجواب : أنه لا يجوز أن يكون المراد منه : افعلوا ما شئتم من المعاصي ، فيأمر بها ، لأنا نعلم بالضرورة أن التكليف كان باقيا عليهم ، ولو حملناه على ذلك لأفضى إلى زوال التكليف عنهم ، ولو كان كذلك لما جاز أن يحدّ مسطح على ما فعل ، فوجب حمله على أحد أمرين :
الأول : أنه تعالى علم توبة أهل بدر فقال : افعلوا ما شئتم من النوافل من قليل أو كثير ، فقد غفرت لكم وأعطيتكم الدرجات العالية في الجنة.
والثاني : أن يكون المراد أنهم يوافون بالطاعة ، فكأنه تعالى قال : قد (٢) غفرت لكم لعلمي بأنّكم تموتون على التوبة والإنابة ، فذكر حالهم في الوقت وأراد العاقبة (٣).
فصل
دلت الآية على أن (الأيمان على) (٤) الامتناع من الخير غير جائز ، وإنما يجوز إذا حصلت داعية صارفة عنه (٥).
فصل
مذهب الجمهور أنّ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه.
وقال بعضهم : إنه يأتي بالذي هو خير ، وذلك هو كفارته ، لأن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة. ولقوله عليهالسلام (٦) : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وذلك كفارته».
واحتج الجمهور بقوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ)(٧) ، وقوله : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ)(٧) ، وقوله لأيوب ـ عليهالسلام (٨) ـ : «وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث» (٩) وقد علمنا أن الحنث كان خيرا من تركه ، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها ، بل كان يحنث بلا كفارة ، وقال عليهالسلام (١٠) :
__________________
(١) أخرجه البخاري (مغازي) ٣ / ٧ ، ٦٠ ، (تفسير) ٣ / ٢٠٠ ، مسلم (فضائل الصحابة) ٤ / ١٩٤١ ـ ١٩٤٢ ، الترمذي (تفسير) ٥ / ٨٣ ، الدارمي (رقاق) ٢ / ٣١٣ ، أحمد ١ / ٨٠ ، ٢ / ٢٩٦.
(٢) في ب : لقد.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩١ ـ ١٩٢.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) في الفخر الرازي : لا صارفة عنه. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٢.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) [المائدة : ٨٩].
(٧) [المائدة : ٨٩].
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) [ص : ٤٤].
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.