أحدهما : أن سكون اللام للجزم عطفا على محل (جعل) (١) ؛ لأنه جواب الشرط (٢).
والثاني : أنه مرفوع ، وإنما سكن لأجل الإدغام. قاله الزمخشري (٣) وغيره (٤). وفيه نظر من حيث إن من جملة من قرأ بذلك وهو نافع والأخوان وحفص ليس من أصولهم الإدغام حتى يدعى لهم في هذا المكان. نعم أبو عمرو أصله الإدغام وهو يقرأ هنا بسكون اللام فيحتمل ذلك على قراءته ، وهذا من محاسن علم النحو والقراءات معا (٥) وقال (٦) الواحدي (٧) : وبين القراءتين فرق في المعنى ، فمن جزم فالمعنى : إن شاء يجعل لك قصورا في الدنيا ، ولا يحسن الوقف على «الأنهار» ومن رفع حسن الوقف (على «الأنهار») (٨) واستأنف (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) في الآخرة.
وقرأ ابن سليمان (٩) وطلحة بن سليمان (١٠) «ويجعل» بالنصب (١١) ، وذلك بإضمار أن على جواب الشرط ، واستضعفها ابن جنيّ (١٢) ، ومثل هذه القراءة قوله (١٣) :
٣٨٦٤ ـ فإن يهلك أبو قابوس يهلك |
|
ربيع النّاس والبلد الحرام |
ونأخذ بعده بذناب عيش |
|
أجبّ الظّهر ليس له سنام (١٤) |
بالتثليث في (نأخذ).
فصل
القصور جماعة القصر ، وهو المسكن الرفيع. قال المفسرون : القصور هي البيوت
__________________
(١) في ب : يجعل. وهو تحريف.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٨١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.
(٣) قال الزمخشري : (ويجوز في «وَيَجْعَلْ لَكَ» إذا أدغمت أن تكون اللام في تقدير الجزم والرفع جميعا) الكشاف ٢ / ٩٠.
(٤) قال أبو البقاء : (ويجوز أن يكون من جزم سكن المرفوع تخفيفا وأدغم) التبيان ٢ / ٩٨١.
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.
(٦) في ب : قال.
(٧) تقدم.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) صوابه : عبيد الله بن موسى كما في المحتسب ٢ / ١١٨ ، وتفسير ابن عطية ١١ / ٩ ـ ١٠ والبحر المحيط ٦ / ٤٨٤. وابن سليمان هو : عبيد الله بن سليمان أبو القاسم النحامي البغدادي مقرىء ، روى قراءة يعقوب عن محمد بن هارون التمار عن محمد بن المتوكل. طبقات القراء ١ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨.
(١٠) هو طلحة بن سليمان السمان مقرىء ، أخذ القراءة عرضا عن فياض بن غزوان عن طلحة بن مصرف ، وله شواذ تروى عنه ، روى القراءة عنه إسحاق بن سليمان أخوه ، وغيره. طبقات القراء ١ / ٣٤١.
(١١) المحتسب ٢ / ١١٨ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٩ ـ ١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٤.
(١٢) قال ابن جني : (نصبه على أنه جواب الجزاء ، كقولك : إن تأتني آتك وأحسن إليك ، وجازت إجابته بالنصب لما لم يكن واجبا إلا بوقوع الشرط من قبله ، وليس قويا مع ذلك ، ألا تراه بمعنى قولك : أفعل كذا إن شاء الله) المحتسب ٢ / ١١٨.
(١٣) قوله : سقط من الأصل.
(١٤) البيتان من بحر الوافر قالهما النابغة الذبياني. وقد تقدما.