أحدها : أن أصل الكلمة من الكتب ، وهو الضم والجمع ، ومنه سميت الكتابة لأنها تضم النجوم(١) بعضها إلى بعض ، وتضم ماله إلى ماله.
وثانيها : مأخوذ من الكتاب (٢) ، ومعناه : كتبت لك على نفسي (أن تعتق إذا وفيت بمالي وكتبت لي على نفسي) (٣) أن تفي (٤) لي بذلك ، أو (٥) كتبت عليك الوفاء بالمال ، وكتبت عليّ العتق(٦) ، قاله الأزهري (٧).
وثالثها : سمي بذلك لما يقع فيه من التأجيل بالمال المعقود عليه ، لأنه لا يجوز أن يقع على مال هو في يد العبد حين يكاتب ، لأن ذلك مال لسيده اكتسبه في حال ما كانت يد السيد غير مقبوضة عن كسبه ، فلا يجوز لهذا المعنى أن يقع هذا العقد حالا ، بل يقع مؤجلا ، ليكون متمكنا من الاكتساب. ثم من آداب الشريعة أن يكتب على من عليه المال المؤجل كتاب ، فلهذا المعنى سمي هذا العقد كتابا لما فيه من الأجل ، قال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ)(٨)(٩).
فصل
قال بعض العلماء : الكتابة أن يقول لمملوكه (١٠) : كاتبتك على كذا ، ويسمي مالا معلوما ، يؤديه في نجمين أو أكثر ، ويبين عدد النجوم ، وما يؤدي في كل نجم ، ويقول : إذا أديت ذلك المال فأنت حر ، أو (١١) ينوي ذلك بقلبه ، ويقول العبد : قبلت (١٢).
فإذا لم يقل بلسانه ، أو لم ينو بقلبه : إذا أديت ذلك فأنت حر ، لم يعتق (١٣).
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه : لا حاجة إلى ذلك ، لأن قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ)(١٤) ليس فيه شرط ، فتصح الكتابة بدون (١٥) هذا الشرط ، وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع. واحتج الأولون (١٦) بأن الكتابة ليست عقد معاوضة
__________________
(١) النجم : الوقت المضروب ، وبه سمّي المنجم ، ونجمت المال إذا أديته نجوما ، تنجيم الدين : هو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مساناة ، ومنه تنجيم المكاتب ونجوم الكتابة ، وأصله أن العرب كانت تجمل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها ، فتقول : إذا طلع النجم حل عليك مالي ، فلما جاء الإسلام جعل الله تعالى الأهلة مواقيت لما يحتاجون إليه من معرفة أوقات الحج والصوم ومحل الديون. اللسان (نجم).
(٢) في ب : الكتابة.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(٤) في ب : بغي. وهو تحريف.
(٥) في ب : و.
(٦) في ب : بالعتق.
(٧) انظر التهذيب (كتب).
(٨) [الرعد : ٣٨].
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٦ ـ ٢١٧.
(١٠) في ب : المملوكة. وهو تحريف.
(١١) في ب : و.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١٧.
(١٣) وهو قول الشافعي رحمهالله انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.
(١٤) في ب : وكاتبوهم. وهو تحريف.
(١٥) في ب : دون.
(١٦) وهو الإمام الشافعي رحمهالله. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.