وأما ما ذكره من زيادة «كاد» فهو قول أبي بكر (١) وغيره ، ولكنه مردود عندهم.
وأما ما ذكره من المعنى الثاني ، وهو أنه رآها بعد جهد ، فهو مذهب الفراء (٢) والمبرد (٣). والعجب كيف يعدل عن المعنى الذي أشار إليه الزمخشري ، وهو المبالغة في نفي الرؤية (٤).
وقال ابن عطية ما معناه : إذا كان الفعل بعد «كاد» منفيّا دلّ على ثبوته ، نحو : «كاد زيد لا يقوم» ، أو مثبتا دلّ على نفيه ، نحو : «كاد زيد يقوم» وتقول : «كاد النّعام (٥) يطير» (٦) فهذا يقتضي نفي الطيران عنه ، فإذا قلت : «كاد النعام ألا يطير» وجب الطيران له ، وإذا تقدم النفي على «كاد» احتمل أن يكون موجبا وأن يكون منفيا ، تقول : «المفلوج (٧) لا يكاد يسكن» فهذا يتضمّن نفي السكون ، وتقول : «رجل منصرف لا يكاد يسكن» فهذا تضمن إيجاب السكون بعد جهد (٨).
فصل
اعلم أن الله تعالى بين أنّ أعمال الكفار إن كانت حسنة فمثلها السراب ، وإن كانت قبيحة فهي الظلمات ، وفيه وجه آخر ، وهو أن أعمالهم إما كسراب بقيعة وذلك في الآخرة ، وإما كظلمات في بحر (٩) وذلك في الدنيا. وقيل : إن الآية الأولى في ذكر أعمالهم ، وأنهم لا يحصلون (١٠) منها على شيء ، والآية الثانية في ذكر عقائدهم ، فإنها تشبه الظلمات ، كما قال : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(١١) (١٢) أي : من الكفر إلى
__________________
ـ البيتين. ومراد هذا القول (كاد). ومن زعم هذا ليس بمصيب. بل حكم (كاد) حكم سائر الأفعال في أنّ معناها منفي إذا صحبها حرف نفي ، وثابت إذا لم يصحبها ، فإذا قال قائل (كاد زيد يبكي) قارب زيد البكاء.
المقاربة ثابتة ، ونفس البكاء منتف انتفاء أبعد من انتفائه عند ثبوت المبالغة) ١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧.
وانظر بقية كلامه في ص ٤٧٨ ـ ٤٧٩ من نفس المرجع.
(١) تقدم.
(٢) قال الفراء : (وقال بعضهم : إنما هو مثل ضربه الله ، فهو يراها ولكنه لا يراها إلا بطيئا ، كما تقول : ما كدت أبلغ إليك وأنت قد بلغت ، وهو وجه العربية) معاني القرآن ٢ / ٢٥٥.
(٣) قال المبرد : (فأما قول الله ـ عزوجل ـ «إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها» فمعناه ـ والله أعلم ـ لم يرها ولم يكد. أي : لم يدن من رؤيتها) المقتضب ٣ / ٧٥.
(٤) انظر الكشاف ٣ / ٧٨.
(٥) في ب : النعيم. وهو تحريف.
(٦) في مجمع الأمثال (كاد النعام يطير) يضرب لقرب الشيء مما يتوقع منه ، لظهور بعض أماراته) ٢ / ١٦٢ ، وانظر المقتضب ٣ / ٧٤ ، الكامل ١ / ٢٥٣.
(٧) الفالج : هو داء معروف يرخّي بعض البدن ، والمفلوج صاحب الفالج. اللسان (فلج).
(٨) تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤.
(٩) في ب : في بحر لجي.
(١٠) في الأصل : لا يخلصون.
(١١) من قوله تعالى : «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» [البقرة : ٢٥٧].
(١٢) ما بين القوسين في الأصل : يخرجهم من النور إلى الظلمات. وهو تحريف.