وثالثها : أنه لما لم ينتفع بالأجسام التي هي اللحوم والدماء وانتفع بتقواه ، وجب أن يكون تقواه فعلا له ، وإلا كان تقواه بمنزلة اللحوم.
ورابعها : أنه لما شرط القبول بالتقوى ، وصاحب الكبيرة غير متّق ، فوجب أن لا يكون عمله مقبولا وأنه لا ثواب له.
والجواب : أما الأولان فحقان ، وأما الثالث فمعارض بالداعي والعلم.
وأما الرابع : فصاحب الكبيرة وإن لم يكن متقيا مطلقا ، ولكنه متّق فيما أتى به من الطاعة على سبيل الإخلاص ، فوجب أن تكون طاعته مقبولة ، وعند هذا تنقلب الآية حجة عليهم.
قوله : (كَذلِكَ سَخَّرَها) الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر (وَلِتُكَبِّرُوا) متعلق به أي إنما سخرها كذلك (١) لتكبروا الله ، وهو التعظيم بما يفعله عند النحر وقبله وبعده. و (عَلى ما هَداكُمْ) متعلق بالتكبير ، عدّي بعلى لتضمنه معنى الشكر على ما هداكم أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه ، وهو أن يقول : الله (٢) أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا ، ثم قال بعده على سبيل الوعد لمن امتثل أمره (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) كما قال من قبل (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) قال ابن عباس : المحسنين الموحدين (٣). والمحسن (٤) الذي يفعل الحسن من الأعمال فيصير محسنا إلى نفسه بتوفير الثواب عليه (٥).
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)(٤١)
قوله تعالى (٦) : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو «يدفع» ، والباقون «يدافع» (٧). وفيه وجهان :
أحدهما : أن (فاعل) بمعنى (فعل) المجرد نحو جاوزته وجزته وسافرت وطارقت (٨).
__________________
(١) في ب : لذلك.
(٢) في النسختين : اللهم.
(٣) انظر البغوي ٥ / ٥٩١.
(٤) في الأصل : والمحسنين. وهو تحريف.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٨.
(٦) تعالى : سقط من ب.
(٧) السبعة : (٤٣٧). الكشف ٢ / ١١٩ ـ ١٢٠ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف ٣١٥.
(٨) وذلك لأن المفاعلة قد تكون من واحد نحو : عاقبت اللص ، وداويت العليل وقد تكون فاعل للتكرير ، يدفع عنهم مرة بعد مرة ، وقد يأتي فاعل من واحد ، قالوا : سافر زيد. الكشف ٢ / ١٢٠ ، التبيان ٢ / ٩٤٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٧٣.