فصل
قال مقاتل : من حلف بالله فقد أجهد (١) في اليمين (٢) ، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا ، وإن أقمت أقمنا ، وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا». فقال الله تعالى : «قل» لهم «لا تقسموا» لا تحلفوا ، وهاهنا تم الكلام (٣).
ولو كان قسمهم لما (٤) يجب لم يجز النهي عنه ، لأنّ (٥) من حلف على القيام بالبر والواجب لا يجوز أن ينهى عنه ، فثبت أنّ قسمهم كان لنفاقهم ، وكان باطنهم بخلاف ظاهرهم ، ومن نوى الغدر لا الوفاء فقسمه قبيح (٦).
قوله : «طاعة معروفة». في رفعها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره : «أمرنا طاعة» ، أو «المطلوب طاعة» (٧).
والثاني : أنها (٨) مبتدأ والخبر محذوف ، أي : (أمثل أو أولى (٩)) (١٠).
وقد تقدّم أنّ الخبر متى كان في الأصل مصدرا بدلا من اللفظ بفعل وجب حذف مبتدأه (١١) ، كقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(١٢) ، ولا يبرز إلّا اضطرارا ، كقوله :
٣٨٥٣ ـ فقالت على اسم الله أمرك طاعة |
|
وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد (١٣) |
على خلاف في ذلك.
والثالث : أن يكون فاعله بفعل محذوف ، أي : ولتكن طاعة ، ولتوجد طاعة.
__________________
(١) في الأصل : اجتهد.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٢ ـ ٢٣.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣.
(٤) في ب : لا. وهو تحريف.
(٥) في ب : لأنه. وهو تحريف.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٣.
(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٥ ، الكشاف ٣ / ٨١ ، البيان ٢ / ١٨٩ ، التبيان ٢ / ٩٧٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٨.
(٨) في ب : أنه.
(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢٥ ، الكشاف ٣ / ٨١ ، البيان ٢ / ١٩٨ ، التبيان ٢ / ٩٧٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٨.
(١٠) ما بين القوسين في ب : أمثلى أوالى. وهو تحريف.
(١١) والأصل في هذا النصب ، لأنه جيء به بدلا من اللفظ بفعله فلم يجز إظهار ناصبه ، لئلا يكون جمعا بين البدل والمبدل منه ، ثم حمل الرفع على النصب ، فالتزم إضمار المبتدأ. انظر الهمع ١ / ١٠٤.
(١٢) [يوسف : ٨٣].
(١٣) البيت من بحر الطويل قاله عمر بن أبي ربيعة. الشاهد فيه قوله : (أمرك طاعة) حيث صرح بلفظ المبتدأ مع أن الخبر مصدر بدل من الفعل بلفظه وهو ضرورة. وظاهر كلام ابن جني في الخصائص أن هذا ليس من باب الضرورة ، فإنه قال في الآية : (وإن شئت كان على : أمرنا طاعة وقول معروف ، وعليه قوله : البيت) ٢ / ٣٦٢. وقد تقدم.