الطاعة وإن عصوا ، ولأن قوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا) ، أي : لكي لا تعودوا لمثله ، وذلك يدل على الإرادة ، وتقدم الجواب عنه (١) مرارا (٢).
فإن قيل : هل يجوز أن يسمى الله واعظا لقوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ)؟ فالأظهر أنه لا يجوز ، كما لا يجوز أن يسمى الله معلما لقوله : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ)(٣)» (٤).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١٩)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الآية.
لمّا بين ما على الإفك وعلى من سمع منه وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا كما شارك فيه من فعله (٥).
والإشاعة : الانتشار ، يقال : في هذا العقار سهم شائع : إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلا. وشاع الحديث : إذا ظهر في الجميع ولم يكن منفصلا. وشاع الحديث : إذا ظهر في العامة (٦). والمعنى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) أن يظهر ويذيع الزنا (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين والعذاب في الدنيا : الحد. وفي الآخرة : النار.
وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة.
والآية إنما نزلت في قذفة عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٧) ثم قال : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وهذا حسن الموقع في هذا الموضع ، لأن محبة القلب كافية ونحن لا نعلمها إلا بالإبانة ، وأما الله ـ سبحانه ـ فإنه لا يخفى عليه ، وهذا نهاية في الزجر ، لأن من أحبّ إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله يعلم ذلك منه ، ويعلم قدر الجزاء عليه(٨).
وهذه الآية تدل على أن العزم على الذنب العظيم ذنب ، وأن إرادة الفسق فسق ، لأنه تعالى علق الوعيد بمحبّة إشاعة الفاحشة.
فصل
قالت المعتزلة : إن الله بالغ في ذم من أحب إشاعة الفاحشة ، فلو كان تعالى هو
__________________
(١) في ب : فيه.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.
(٣) [الرحمن : ١ ، ٢].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٣.
(٦) المرجع السابق.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٤.
(٨) المرجع السابق.