والثاني : أنه أخرج على زنة المفاعلة مبالغة فيه لأن فعل المبالغة أبلغ من غيره (١).
وقال ابن عطية : يحسن «يدافع» (٢) لأنه قد عن (٣) للمؤمنين من يدفعهم ويؤذيهم فتجيء مقاومته ودفعه عنهم مدافعة (٤). يعني فتختلط فيها المفاعلة.
فصل
لما بيّن الحج ومناسكه ، وما فيه من منافع الدنيا والآخرة ، وذكر قبل ذلك صد الكفار عن المسجد الحرام ، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد ويؤمن معه التمكن من الحج فقال : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)(٥) قال مقاتل : إنّ الله يدفع كفار مكة عن الذين آمنوا بمكة ، وهذا حين أمر المؤمنين بالكف عن كفار مكة قبل الهجرة حين آذوهم ، فاستأذنوا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في قتلهم سرا فنهاهم (٦).
والمعنى : أن الله يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم من المؤمنين (٧) ولم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم ، وإن كان في الحقيقة أنه يدافع بأس المشركين (٨) ، فلذلك قال بعده (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) فنبه بذلك على أنه يدفع عن المؤمنين كيد من هذا صفته (٩) وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم على الكفار ، وهو كقوله (١٠)(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً)(١١) وقوله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا)(١٢) وقوله : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ)(١٣)(١٤).
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) في أمانة الله «كفور» لنعمته. قال ابن عباس : خافوا الله فجعلوا معه شركاء وكفروا نعمه (١٥). قال الزجاج : من تقرب إلى الأصنام (١٦) بذبيحته وذكر عليها اسم غير الله فهو خوان كفور (١٧). قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذه (١٨).
قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ). قرأ «أذن» مبنيا للمفعول نافع وأبو عمرو وعاصم ،
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ٣٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٣.
(٢) في النسختين دفاع. والصواب ما أثبته.
(٣) في النسختين : عز. وما أثبته من تفسير ابن عطية.
(٤) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٨٧ ، وفيه (معارضته) مكان (مقاومته).
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٩.
(٦) المرجع السابق.
(٧) انظر البغوي ٥ / ٥٩١.
(٨) في النسختين : أنه يدافع بين المشركين. وما أثبته من الفخر الرازي.
(٩) انظر الفخر الرازي : ٢٣ / ٣٩.
(١٠) في الأصل : قوله.
(١١) من قوله تعالى :«لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» [آل عمران : ١١١].
(١٢) من قوله تعالى : «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» [غافر : ٥١].
(١٣) [الصافات : ١٧٢].
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٩.
(١٥) انظر البغوي ٥ / ٥٩١ ـ ٥٩٢.
(١٦) في ب : الله. وهو تحريف.
(١٧) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٢٩ بتصرف يسير والبغوي ٥ / ٥٩٢.
(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤٠.