يعظمونها نهاية التعظيم ، وحينئذ كان يلزم التسوية بينها وبين الخالق سبحانه في التعظيم ، فمن هاهنا استوجبوا الذم (١).
فصل
قال ابن عباس (٢) : كانوا يطلون الأصنام بالزعفران (٣) ، فإذا جفّ جاءت الذباب فاستلبته وقال السدي : كانوا يضعون (٤) الطعام بين يدي الأصنام فيقع الذباب عليه فيأكلن منه (٥).
وقال ابن زيد : كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلىء وأنواع الجواهر ، ويطيبونها بأنواع الطيب ، فربما يسقط منها واحدة فأخذها طائر وذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها (٦)(ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) قيل : هو إخبار. وقيل : تعجب. والأول أظهر (٧).
قال ابن عباس : الطالب الذباب يطلب ما يسلب من الطيب عن الصنم ، والمطلوب الصنم يطلب الذباب منه السلب (٨). وقيل : العكس الطالب الصنم والمطلوب الذباب ، فالصنم كالطالب لأنه لو طلب أن يخلقه (٩) ويستنقذ منه ما استلبه لعجز عنه ، والذباب بمنزلة المطلوب (١٠). وقال الضحاك : الطالب العابد والمطلوب المعبود ، لأن كون الصنم طالبا ليس حقيقة بل على سبيل التقدير (١١). وقيل : المعنى ضعف أي ظهر قبح هذا المذهب كما يقال عند المناظرة : ما أضعف هذا المذهب ، وما أضعف هذا الوجه (١٢).
قوله : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي : ما عظموه حق تعظيمه ، حيث جعلوا هذه الأصنام على نهاية خساستها شركاء له في المعبودية (١١). (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) : «قويّ» لا يتعذر عليه فعل شيء «عزيز» لا يقدر أحد على مغالبته ، فأي حاجة إلى القول بالشريك (١٢).
قال الكلبي : في هذه الآية وفي نظيرها في سورة الأنعام (١٣) : أنها نزلت في مالك
__________________
(١) في الأصل : الذنب. وهو تحريف.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٦١٣.
(٣) في ب : للزعفران. وهو تحريف.
(٤) في الأصل : يصنعون. وفي ب : يصفون. والصواب ما أثبته.
(٥) منه : سقط من ب.
(٦) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٦١٣.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٠.
(٨) انظر البغوي ٥ / ٦١٣.
(٩) في النسختين : يلحقه. وهو تحريف.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٩ ـ ٧٠.
(١١) انظر البغوي ٥ / ٦١٣ والفخر الرازي ٢٣ / ٧٠.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٠.
(١٣) وهو قوله تعالى : «وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ» [الأنعام : ٩١].