قوله : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) السلب اختطاف الشيء بسرعة ، يقال : سلبه نعمته.
والسلب : ما على القتيل ، وفي الحديث : «من قتل قتيلا فله سلبه» (١).
وقوله : (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) الاستنقاذ : استفعال بمعنى الإفعال ، يقال : أنقذه من كربته ، أي : أنجاه منه وخلصه ، ومثله : أبلّ المريض واستبلّ (٢).
فصل (٣)
كأنه تعالى قال : أترك أمر الخلق والإيجاد وأتكلم (٤) فيما هو أسهل منه ، فإن الذباب إذا سلب منها شيئا فهي لا تقدر على استنقاذ ذلك الشيء من الذباب. واعلم أن الدلالة الأولى صالحة لأن يتمسك بها في نفي كون المسيح والملائكة آلهة ، وأما الثانية فلا.
فإن (٥) قيل هذا الاستدلال إما أن يكون لنفي كون الأوثان خالقة عالمة حية مدبرة ، وإما لنفي (٦) كونها مستحقة للتعظيم ، والأول (٧) فاسد ، لأن نفي كونها كذلك معلوم بالضرورة ، فلا فائدة في إقامة الدلالة عليه. وأما الثاني فهذه الدلالة لا تفيده ، لأنه لا يلزم من نفي كونها حيّة أن لا (٨) تكون معظمة ، فإن جهات التعظيم مختلفة ، فالقوم كانوا يعتقدون فيها أنها طلسمات (٩) موضوعة على صور الكواكب ، أو أنها تماثيل الملائكة والأنبياء (١٠) المتقدمين.
فالجواب : أما كونها طلسمات موضوعة على الكواكب بحيث يحصل منها الضر والنفع ، فهو يبطل بهذه الدلالة ، فإنها لم تنفع نفسها في هذا القدر وهو تخليص النفس عن الذبابة فلأن لا تنفع غيرها أولى. وأما أنها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمين ، فقد تقرر في العقل أنّ تعظيم (١١) غير الله ينبغي أن يكون أقل من تعظيم (٤) الله ، والقوم كانوا
__________________
(١) أخرجه مسلم (حج) ٣ / ١٣٧١ ، أحمد ٥ / ١٢ ، ٢٩٥ ، ٣٠٦.
(٢) أي : برأ وصح.
(٣) هذا لفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٩.
(٤) في النسختين : وتكلم. وما أثبته من الفخر الرازي.
(٥) في الأصل : ن. وهو تحريف.
(٦) في ب : وأما النفي. وهو تحريف.
(٧) في ب : فالأول.
(٨) في ب : إلا أن. وهو تحريف.
(٩) الطلسم (في علم السحرة) : خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى ، وهو لفظ يوناني لكل ما هو غامض مبهم كالألغاز والأحاجي ، والشائع على الألسنة طلسم كجعفر ، ويقال فك طلسما وطلاسمة وطخمه وفسره. المعجم الوسيط (طلسم).
(١٠) والأنبياء : سقط من ب.
(١١) في ب : تعظم.