الخالق لأفعال العباد لما كان مشيع الفاحشة إلا هو ، فكان يجب ألا يستحق الذم على إشاعة الفاحشة إلا هو ، لأنه هو الذي فعل تلك الإشاعة ، وغيره لم يفعل شيئا ، وتقدم الكلام على (نظيره (١)) (٢).
قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢١)
قوله تعالى (٣) : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) جواب «لو لا» (٤) محذوف ، أي : لعاجلكم بالعقوبة.
قال ابن عباس : يريد مسطحا وحسان وحمنة. ويجوز أن يكون الخطاب عاما.
وقيل : جوابه في قوله : «ما زكى منكم من أحد» (٥).
وقيل : جوابه : لكانت الفاحشة تشيع فتعظم المضرة ، وهو قول أبي مسلم. والأقرب أن جوابه محذوف ، لأن قوله من بعد : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ)(٦) كالمنفصل من الأول ، فلا يكون جوابا للأول خصوصا (وقد) (٧) وقع (٨) بين الكلامين كلام آخر (٩).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) الآية قرىء (١٠) «خطوات» بضم الطاء وسكونها (١١). والخطوات : جمع خطوة وهو من خطا الرجل يخطو خطوا (١٢) فإذا أردت الواحدة قلت : خطوة مفتوحة الأول ، والمراد بذلك : السيرة (١٣).
والمعنى : لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة ، والله
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٥.
(٢) ما بين القوسين في ب : ونظيره.
(٣) في ب : فصل.
(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٥.
(٥) من الآية التي بعدها.
(٦) الآية التي بعدها.
(٧) وقد : تكملة من الفخر الرازي.
(٨) وقع : سقط من ب.
(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٥.
(١٠) في ب : قرأ.
(١١) قرأ بضم الطاء ابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم وابن كثير إلا أنه روى ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير «خطوات» خفيفة ، أي: ساكنة الطاء. وقرأ الباقون بإسكان الطاء تخفيفا. فمن قرأ بضم الطاء حمل ذلك على أصل الأسماء ، لأن الأسماء يلزمها في الجمع الضم وهي لغة أهل الحجاز ، ومن قرأ بإسكان الطاء تخفيفا ، لاجتماع ضمتين وواو ، لأنه جمع ، ولأنه مؤنث ، فاجتمع فيه ثقل الجمع وثقل التأنيث ، وثقل الضمتين والواو ، فحسن فيه التخفيف وقوي ، السبعة (١٧٤) ، الكشف ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الإتحاف (٣٢٣).
(١٢) انظر اللسان (خطا).
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.