قال الزمخشري : ولو قرىء «يمشّون» لكان أوجه لو لا الرواية (١). يعني بالتشديد.
قال شهاب الدين : قد قرأ بها السّلميّ ولله الحمد (٢).
فصل
روى الضحاك عن ابن عباس قال : لمّا عيّر المشركون رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٧] أنزل الله هذه الآية (٣). يعني : ما أنا إلا رسول ، وما كنت بدعا من الرسل ، وهم كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، كما قال في موضع آخر : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) [فصلت : ٤٣]. (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي : بلية ، فالغني فتنة للفقير ، (ويقول الفقير) (٤) : ما لي لم أكن مثله؟ والصحيح فتنة للمريض ، والشريف فتنة للوضيع (٥). قال ابن عباس : أي : جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم ، وترون من خلافهم وتتبعون الهدى (٦).
وقال الكلبي والزجاج (٧) والفراء (٨) : نزلت في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة فإذا رأى الشريف الوضيع (٩) قد أسلم قبله أنف أن يسلم ، وأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه ، ويدل عليه قوله تعالى : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ)(١٠) [الأحقاف : ١١] وقيل : هذا عام في جميع الناس ، روى أبو الدرداء عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «ويل للعالم من الجاهل ، وويل للسلطان من الرعية ، (وويل للرعية من السلطان) (١١) ، وويل للمالك من المملوك ، وويل للشديد من الضعيف ، وللضعيف من الشديد بعضهم لبعض فتنة» وقرأ هذه الآية (١٢).
وروي عن ابن عباس والحسن هذا في أصحاب البلاء والعافية (هذا يقول لم لم أجعل مثله) (١٣) في الخلق ، والخلق ، وفي العقل ، وفي العلم ، وفي الرزق ، وفي الأجل (١٤).
وقيل : هذا احتجاج عليهم في تخصيص محمد بالرسالة مع مساواته لهم في البشريّة وصفاتها ، فالمرسلون يتأذون من المرسل إليهم بأنواع الأذى على ما قال : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) [آل عمران : ١٨٦] ،
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٩٣.
(٢) الدر المصون ٥ / ١٣٢.
(٣) انظر البغوي ٦ / ١٦٥.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) انظر البغوي ٦ / ١٦٥.
(٦) المرجع السابق.
(٧) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦٢.
(٨) معاني القرآن ٢ / ٢٦٥.
(٩) في ب : الوضع. وهو تحريف.
(١٠) [الأحقاف : ١١]. وانظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٥.
(١١) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٥ ـ ٦٦.
(١٣) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٦.