فصل
الناس في النكاح قسمان (١) :
الأول : من تتوق نفسه للنكاح ، فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبته سواء كان مقبلا على العبادة أو لم يكن ، ولكن (٢) لا يجب ، وإن لم يجد أهبته يكسر شهوته بالصوم لقوله عليهالسلام (٣) : «يا معشر الشّباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فليصم فإنّه (٤) له وجاء» (٥).
الثاني : من لا تتوق نفسه للنكاح (٦) ، فإن كان لعلة من كبر أو مرض أو عجز فيكره له ، لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام به ، وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة.
وإن لم يكن به عجز وكان قادرا على القيام بحقه لم يكره له النكاح ، لكن الأفضل أن يتخلّى للعبادة ، لأن الله تعالى مدح يحيى بكونه (حَصُوراً)(٧) ، والحصور : الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهنّ ، ولا يقال : هو الذي لا يأتي النساء مع العجز ؛ لأن مدح الإنسان بما يكون عيبا غير جائز ، وإذا كان مدحا في حق يحيى وجب أن يشرع في حقنا ، لقوله تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٨) ، ولا يحمل الهدى على الأصول ، لأن التقليد فيها غير جائز ، فوجب حمله على الفروع. وقال عليهالسلام (٩) : «اعلموا أن خير أعمالكم الصّلاة» (١٠) وقال عليهالسلام (١١) : «أفضل أعمال أمّتي قراءة القرآن» (١٢). وقال أبو حنيفة : النكاح أفضل لقوله عليهالسلام (١٣) : «أحبّ المباحات إلى الله النكاح» (١٤) لأن (١٥) النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا ، فيكون دفعا للضرر عن النفس. والنافلة :
__________________
(١) وهو قول الشافعي ـ رحمهالله ـ انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٣.
(٢) ولكن : سقط من ب.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) في ب : فإن الصوم.
(٥) أخرجه البخاري (صوم) ١ / ٣٢٦ ، (نكاح) ٣ / ٢٣٨ ، ومسلم (نكاح) ٢ / ١٠١٨ ـ ١٠١٩ ، أبو داود (نكاح) ٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، ابن ماجه (نكاح) ١ / ٥٩٢ ، النسائي (صيام) ٤ / ١٦٨ ـ ١٧١ ، الدارمي (نكاح) ٢ / ١٣٢ ، الترمذي (نكاح) ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، أحمد ١ / ٣٧٨ ، ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، ٤٣٢ ، ٤٤٧.
(٦) في ب : إلى النكاح.
(٧) من قوله تعالى : «وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» [آل عمران : ٣٩].
(٨) من قوله تعالى : «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» [الأنعام : ٩٠].
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) أخرجه ابن ماجه (طهارة) ١ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، الدارمي (وضوء) ١ / ١٦٨ الموطأ (طهارة) ١ / ٣٤ ، أحمد ٥ / ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٣.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١٣.
(١٥) في ب : ولأن.