وقد قيل إن تنكير «يسرا» للتعميم (١) ، وتعريف «اليسر» للعهد الذي كانوا عليه ، يؤكّده سبب النزول (٢) أو الجنس الذي يعرفه كل أحد ، ليكون «اليسر» الثاني مغايرا للأول ، بخلاف العسر. والتحقيق أن الجملة الثانية هنا تأكيد للأولى لتقديرها في النفس ، وتمكينها من القلب ، ولأنها تكرير صريح لها ، ولا تدل على تعدد اليسر ، كما لا يدل قولنا : وإن مع زيد كتابا ، إن مع زيد كتابا ، على أن معه كتابين ، فالأفصح (٣) أن هذا تأكيد.
وقوله تعالى : ([اللهُ] (٤) الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ...) (الروم : ٥٤) الآية ، فإنّ كلا من المذكور غير الآخر ، فالضعف الأول النطفة أو التراب ، والثاني الضعف الموجود في الطفل والجنين ، والثالث في الشيخوخة. والقوة الأولى التي تجعل للطفل حركة وهداية لاستدعاء اللبن ، والدفع عن نفسه [بالبكاء] (٥) ، والثانية بعد البلوغ.
قال ابن الحاجب (٦) في قوله تعالى : (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) (سبأ : ١٢) : الفائدة في إعادة لفظ «شهر» الإعلام بمقدار زمن الغدوّ وزمن الرواح ، والألفاظ التي تأتي مبيّنة للمقادير لا يحسن فيها الإضمار.
واعلم أنه ينبغي أن يأتي في هذا القسم الخلاف الأصوليّ ، في نحو : «صلّ ركعتين ، [صلّ ركعتين] (٥)» هل يكون أمرين بمأمورين والثاني تأسيس ، أو لا؟ وفيه قولان.
وقد نقضوا هذا القسم بقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (الزخرف : ٨٤) ، فإنّ فيه نكرتين ؛ والثاني هو الأول. وأجاب الطّيبي (٧) ، بأنه من باب التكرير (٨) وإناطة أمر زائد.
__________________
(١) في المخطوطة (مع التعميم).
(٢) قال البغوي في «معالم التنزيل» ٤ / ٥٠٣ (إن الله بعث نبيه صلىاللهعليهوسلم وهو مقل مخف ، فكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتم النبي صلىاللهعليهوسلم لذلك فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره ، فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة ووعده الغنى يسليه بذلك عما خامره من الغم فقال (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً).
(٣) في المخطوطة (فالأصح).
(٤) لفظ الجلالة ليس في المخطوطة.
(٥) ليست في المخطوطة.
(٦) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر ، أبو عمرو بن الحاجب الكردي تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.
(٧) هو الحسن بن محمد بن عبد الله تقدم التعريف به في ٣ / ٢٨.
(٨) تصحفت في المخطوطة إلى التذكير.