سلام الخليل عليهالسلام أبلغ من سلام الملائكة ، حيث [قال] (١) : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) (هود : ٦٩) : فإنّ نصب (سَلاماً) إنما يكون على إرادة الفعل ، أي سلّمنا سلاما ، وهذه العبارة مؤذنة بحدوث التسليم منهم ، إذ الفعل تأخّر عن وجود الفاعل ، بخلاف سلام إبراهيم ، فإنه مرتفع بالابتداء ، فاقتضى الثبوت على الإطلاق ، وهو أولى بما يعرض له الثبوت ، فكأنه قصد أن يحيّيهم بأحسن مما حيوه به ، اقتداء بقوله تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (النساء : ٨٦).
وذكروا فيه أوجها أخرى تليق بقاعدة الفلاسفة في تفضيل الملائكة على البشر ، وهو أن السّلام دعاء بالسّلامة من كل نقص ، وكمال البشر تدريجيّ ، فناسب الفعل ، وكمال الملائكة مقارن لوجودها على الدوام ، فكان أحقّ بالاسم الدالّ على الثبوت.
قيل : وهو غلط ، لأن الفعل المنشأ هو تسليمهم ، أما السّلام المدعوّ به فليس في موضوعه تعرض لتدرّج ، وسلامه أيضا منشأ فعل ، ولا يتعرض للتدريج ، غير أن سلامه لم يدل بوضعه اللغويّ وقوع إنشائه ، ثم لو كان هذا المعنى معتبرا لشرع السّلام بيننا بالنصب دون الرفع. ٤ / ٧٢
(تنبيه) هذا الذي ذكرناه من دلالة الاسم على الثبوت ، والفعل على التجدد والحدوث ؛ هو المشهور عند البيانيين ؛ وأنكره أبو المطرّف بن عميرة (٢) في كتاب «التمويهات على كتاب التبيان» لابن الزّملكاني ، قال : هذا الرأي غريب ، ولا مستند له نعلمه ، إلا أن يكون قد سمع أن في مقوله (٣) : أن يفعل وأن ينفعل هذا المعنى من التجدّد ، فظنّ أنه الفعل القسيم للأسماء ، فغلط. ثم قوله : الاسم يثبت المعنى للشيء عجيب ، وأكثر الأسماء دلالتها على معانيها فقط ، وإنما ذاك في الأسماء المشتقة ؛ ثم كيف يفعل بقوله
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) هو أحمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن عميرة المخزومي ، تفنن في العلوم ونظر في المعقولات وأصول الفقه. ومال إلى الأدب فبرع فيه. روى عن أبي الخطاب أحمد بن واجب وأبي علي الشلوبين وجماعة كثيرة. وروى عنه جماعة وكان شديد العناية بشأن الرواية. وله من التصانيف «التنبيهات» وله رسائل مشتملة على نظم ونثر كتب بها إلى الملوك. توفي سنة (٦٥٨). (ابن فرحون ، الديباج المذهب ٤٦) وكتابه «التنبيهات على ما في التبيان من التمويهات» ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون ١ / ٣٤١ ، وذكره البغدادي في إيضاح المكنون ١ / ٣٢٣ ، وكتاب «التبيان» لابن الزملكاني سبق التعريف به في ٢ / ٥١٧.
(٣) في نسخة (في قوله).