ضاقَتْ) (التوبة : ١١٨). وتأتي للاستئناف ، كقوله تعالى : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (آل عمران : ١١١).
فإن قيل : ما المانع من الجزم على العطف؟ فالجواب ، أنه عدل به عن حكم الجزاء ، إلى حكم الإخبار ابتداء ، كأنه قال : ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قيل : أيّ فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قيل : لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولّيهم ، وحين رفع كان النصر وعدا مطلقا ، كأنه قال : ثم شأنهم وقصّتهم أني أخبركم عنها ، وأبشّركم بها بعد التولية أنهم مخذولون ، منعت عنهم النصرة والقوة ، ثم لا ينهضون بعدها بنجاح ، ولا يستقيم لهم أمر.
واعلم أنها وإن كانت حرف استئناف ، ففيها (١) معنى العطف ، وهو [من] (٢) عطف الخبر على جملة الشرط والجزاء ، كأنه قال : أخبركم أنهم يقاتلونكم فيهزمون (٣) ، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون فإن قيل : ما معنى التراخي [في] (٤) «ثم»؟ قيل : التراخي في الرتبة ، لأن الأخبار التي تتسلط عليهم أعظم من الإخبار بتولّيهم الأدبار ، كقوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) (المرسلات : ١٦ ـ ١٧).
٢٨ ـ ثمّ المفتوحة
ظرف للبعيد بمعنى هنالك ، قال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ) (الإنسان : ٢٠). وقرئ (٥) : (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ) (يونس : ٤٦) ، أي هنالك الله شهيد ، بدليل : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) (الكهف : ٤٤). وقال الطبريّ (٦) في قوله : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) (يونس : ٥١) ، معناه : أهنالك ، وليست «ثم» العاطفة. وهذا وهم اشتبه عليه المضمومة بالمفتوحة.
__________________
(١) في المخطوطة (يفهم).
(٢) ساقطة من المطبوعة.
(٣) في المخطوطة (فتهزموا).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) وهي قراءة ابن أبي عبلة انظر البحر المحيط ٥ / ١٦٤.
(٦) تفسير الطبري ١١ / ٨٥. وللفائدة انظر البحر المحيط ٥ / ١٦٧.