لفظ «من» ، وخبرها جمعا حملا على معناها ، ولو حمل الاسم والخبر على اللفظ (١) معا لقال «إلا من كان يهوديا أو نصرانيا» ؛ ولو حملهما على معناها لقال : «إلاّ من كانوا هودا أو نصارى» فصارت الآية الشريفة بمنزلة قولك : [لا] (٢) يدخل الدار إلا من كان عاقلين ، وهذه المسألة منعها ابن السراج (٣) وغيره ، وقالوا : لا يجوز أن يحمل الاسم والخبر معا على اللفظ ، فيقال : «إلا من كان عاقلا» ، أو يحملا معا على المعنى فيقال : «إلا من كانوا عاقلين» ، وقد جاء القرآن بخلاف قولهم.
٧٣ ـ من
حرف يأتي لبضعة عشر معنى :
الأول : ابتداء الغاية ، إذا كان في مقابلتها «إلى» التي للانتهاء. وذلك إمّا في اللفظ ، نحو سرت من البصرة إلى الكوفة ، وقوله تعالى : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (الإسراء : ١).
وإمّا في المعنى ؛ نحو زيد أفضل من عمرو ؛ لأن معناه زيادة الفضل على عمرو ، وانتهاؤه في الزيادة إلى زيد. ويكون في المكان اتفاقا ، نحو : من المسجد الحرام. وما نزّل منزلته ، نحو من فلان ، ومنه : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) (النمل : ٣٠) ، وقولك : ضربت من الصغير إلى الكبير ، إذا أردت البداءة من الصغير والنهاية بالكبير. وفي الزمان عند الكوفيين ، كقوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (التوبة : ١٠٨). وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (الروم : ٤). فإن «قبل» و «بعد» ظرفا زمان.
وتأويله مخالفوهم على حذف مضاف ، أي من تأسيس أول يوم ، ف «من» داخلة في التقدير على التأسيس ، وهو مصدر ، وأما «قبل» و «بعد» فليستا ظرفين في الأصل ، وإنما هما صفتان.
الثاني : الغاية ، وهي التي تدخل على فعل هو محلّ لابتداء الغاية وانتهائه معا ، نحو :
__________________
(١) عبارة المخطوطة (واللفظ على الخبر).
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) هو محمد بن سهل تقدم التعريف به في ٢ / ١٢.