يلي الجسد ، فكأن شعرت به ، علمته علم حس ، فهو نوع من العلم ولهذا لم يوصف به الله. وقوله تعالى في صفة الكفار : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص : ١١) ، أبلغ في الذمّ للبعد عن الفهم من وصفهم بأنهم لا يعلمون ، فإن البهيمة قد تشعر بحيث كانت تحس ، فكأنهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم.
وعلى هذا قال تعالى : (وَلا تَقُولُوا (١) لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) (البقرة : ١٥٤) ، إلى قوله : (وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (البقرة : ١٥٤) ولم يقل : «لا تعلمون» لأن المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى بأنهم أحياء ، علموا أنهم أحياء ، فلا يجوز أن ينفي عنهم العلم ، ولكن يجوز أن يقال : (لا تَشْعُرُونَ) ، لأنه ليس كل ما علموه يشعرونه (٢) ، كما أنه ليس كل ما علموه يحسّونه بحواسّهم ، فلما كانوا لا يعلمون بحواسّهم حياتهم ، وأنهم (٣) علموها بإخبار الله [تعالى] (٤) وجب أن يقال : (لا تَشْعُرُونَ) دون «لا تعلمون».
عسى ولعلّ
من الله تعالى واجبتان ، وإن كانتا رجاء وطمعا في كلام المخلوقين ، لأنّ الخلق هم الذين تعرض لهم الشكوك والظنون ، والبارئ منزّه عن ذلك. والوجه في استعمال هذه الألفاظ أنّ الأمور الممكنة لما كان الخلق يشكّون فيها ولا يقطعون على الكائن منها ، وكان الله [تعالى] (٤) يعلم الكائن (٥) منها على الصحّة صارت لها نسبتان :
نسبة إلى الله [تعالى] (٦) ، تسمى نسبة قطع ويقين ، ونسبة إلى المخلوق ، وتسمى نسبة شك وظنّ ، فصارت هذه الألفاظ لذلك ترد بلفظ القطع بحسب ما هي [عليه] (٦) عند الله ، كقوله : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة : ٥٤). وتارة بلفظ الشك بحسب ما هي عليه عند المخلوقين ، كقوله : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) (المائدة : ٥٢) ، (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء : ٧٩).
وقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (طه : ٤٤) ، وقد علم الله حين
__________________
(١) في المخطوطة (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
(٢) في المطبوعة (يشعرون به).
(٣) في المخطوطة (وإنما علموه).
(٤) ليست في المخطوطة.
(٥) تصحفت في المخطوطة إلى (الكافرين).
(٦) ليست في المخطوطة.