«الياقوتة» (١) : قال ثعلب والمبرّد جميعا : العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين ، كان الكلام إخبارا ، فمعناه [إنما جعلناهم] (٢) جسدا لا يأكلون الطعام. ومثله : ما سمعت منك ولا أقبل منك مالا. وإذا كان في أول الكلام جحد كان الكلام مجحودا جحدا حقيقيّا ، نحو «ما زيد بخارج» ، فإذا جمعت بين جحدين في أول الكلام كان أحدهما زائدا ، كقوله : [ما] (٢) ما قمت يريد : [«ما قمت»] (٢) ، ومثله ما إن قمت ، وعليه قوله تعالى : (فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) (الأحقاف : ٢٦) ، في أحد الأقوال.
٤ ـ / ٧٨
قاعدة في ألفاظ يظنّ بها الترادف وليست منه
ولهذا وزّعت بحسب المقامات فلا يقوم مرادفها فيما استعمل فيه مقام الآخر ، فعلى المفسر مراعاة [مجاري] (٣) الاستعمالات والقطع بعدم الترادف ما أمكن ؛ فإنّ للتركيب معنى غير معنى الإفراد ، ولهذا منع كثير من الأصوليّين وقوع أحد المترادفين موقع الآخر في التركيب ؛ وإن اتفقوا على جوازه في الإفراد.
فمن ذلك «الخوف» و «الخشية» ، لا يكاد اللّغوي يفرّق بينهما ، ولا شكّ أن الخشية أعلى من الخوف ، وهي أشدّ الخوف. فإنها مأخوذة من قولهم : شجرة خشيّة إذا كانت يابسة وذلك فوات بالكلية ؛ والخوف من قولهم : ناقة خوفاء ؛ [٢٦٣ / ب] إذا كان بها داء ، وذلك نقص وليس بفوات ؛ ومن ثمّة خصّت الخشية بالله تعالى في قوله سبحانه : (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (الرعد : ٢١).
وفرق بينهما أيضا ، بأن الخشية تكون من عظم المخشيّ ، وإن كان الخاشي قويّا ، والخوف يكون من ضعف (٤) الخائف ، وإن كان المخوف أمرا يسيرا ، ويدلّ على ذلك أن الخاء والشين والياء في تقاليبها تدلّ على العظمة ؛ قالوا : شيخ للسيد الكبير ، والخيش لما غلظ (٥) من الكتّان ، والخاء والواو والفاء في تقاليبها تدلّ على الضعف ، وانظر إلى الخوف لما
__________________
(١) هو محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر المعروف بالزاهد ، وغلام ثعلب تقدم التعريف به وبكتابه في ١ / ٣٩٣.
(٢) ليست في المخطوطة.
(٣) ليست في المطبوعة.
(٤) في المخطوطة (من صفة الخائف).
(٥) في المطبوعة (والخيش لما عظم).