ثم قد يحذف هذا الموصوف وتقام الصفة مقامه ؛ وحينئذ فللعرب فيه لغتان : أحدهما : إعرابها كإعراب الموصول وجريها بوجوه الإعراب ، والثانية : إبقاؤها على أصلها من الظرفية ، وعليها جاء قوله [تعالى] : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) (الجن : ١١) ، قرئ بالرفع والنصب. وقال الزمخشريّ (١) : معناه : «أدنى» مكان من الشيء.
ومنه الدّون للحقير ، ويستعمل للتفاوت في الحال ، نحو : زيد دون عمرو ، أي في الشرف والعلم ، واتسع فيه ، فاستعمل في تجاوز حدّ إلى حدّ ، نحو قوله تعالى : (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء : ١٤٤) ، أي لا يتجاوزون ولاية المؤمنين إلى ولاية الكافرين.
وقيل : إنه مشتق من «دون» فعل ، يقال : دان يدون دونا ، وأدين إدانة ؛ والمعنى على الحقارة والتقريب. وهذا دون ذلك ، أي قريب منه ودوّن الكتب إذا جمعها ؛ لأن جمع الأشياء إدناء بعضها من بعض وتقليل المسافة بينها ، ودونك هذا ، أصله خذه من دونك ، أي من أدنى [مكان] (٢) منك فاختصر.
٣٣ ـ ذو وذات
بمعنى صاحب ، ومنه قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (البروج : ١٥) ، وقوله : (ذَواتا أَفْنانٍ) (الرحمن : ٤٨). ولا يستعمل إلا مضافا ، ولا يضاف إلى صفة ، ولا إلى ضمير.
وإنما وضعت وصلة إلى وصف الأشخاص بالأجناس ، كما أن «الذي» وضعت وصلة (٣) إلى وصل المعارف بالجمل ، وسبب ذلك أن الوصف إنما يراد به التوضيح والتخصيص ، والأجناس أعمّ من الأشخاص فلا يتصور تخصيصها لها ؛ فإنك إذا قلت : مررت برجل علم ، أو مال أو فضل ؛ ونحوه لم يعقل ؛ ما لم يقصد به المبالغة ؛ فإذا قلت : بذي [علم] (٤) ، صحّ (٥) الوصف ، وأفاد التخصيص (٥) ؛ ولذلك كانت الصفة تابعة للموصوف في إعرابه ومعناه.
__________________
(١) انظر قوله في كتابه «اساس البلاغة» ص ١٣٩ مادة «دون».
(٢) ساقطة من المطبوعة.
(٣) في المخطوطة (وصلته).
(٤) ساقطة من المخطوطة.
(٥) عبارة المخطوطة (صحيح الوصف والتخصيص).