جمعا ، فتارة روعي كما إذا صرح به ، وتارة روعي لفظ «كل» ، وتكون حالة الحذف مخالفة لحال الإثبات.
قيل : ولو قال قائل : حيث أفرد يقدّر الحذف مفردا ، وحيث جمع يقدر جمعا ، فيقدّر في قوله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) (العنكبوت : ٤٠) «كلّ واحد» ، ويقدر في قوله : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) (النمل : ٨٧) (١) [«كل نوع مما سبق» لكان موافقا إذا أضيف لفظا إلى نكرة.
وما ذكروه يقتضي أن تقديره : وكلهم أتوه] (١) ، وكلا التقديرين (٢) سائغ ، والمراد الجمع.
ويتعين في قوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الأنبياء : ٣٣) ، أنّ كلا من الشمس والقمر والليل والنهار لا يصحّ وصفه بالجمع. وقد قدر الزمخشري (٣) : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (الإسراء : ٨٤) ، كلّ أحد ، وهو يساعد ما ذكرناه. وما ذكرناه في هذه الحالة هو المشهور.
وقال السهيليّ (٤) في «نتاج الفكر» : إذا قطعت [«كل»] (٥) عن الإضافة فيجب أن يكون خبرها جمعا ؛ لأنها اسم في معنى الجمع ، تقول : كلّ ذاهبون ؛ إذا تقدم ذكر قوم. وأجاب عن إفراد الخبر في الآيات السابقة ؛ بأن فيها قرينة تقتضي تحسين المعنى بهذا اللفظ دون غيره.
أما قوله : (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) (الإسراء : ٨٤) ، فلأنّ قبلها ذكر فريقين مختلفين ، مؤمنين وظالمين ، فلو جمعهم في الأخبار وقال : كلّ يعملون ، لبطل معنى الاختلاف ، وكان لفظ الإفراد أدلّ على المراد ، والمعنى : كلّ فريق يعمل على شاكلته.
وأما قوله : (إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) (٤) (ص : ١٤) ، فلأنّه ذكر قرونا وأمما ، وختم ذكرهم بقوم تبّع ، فلو قال : كلّ كذبوا ، لعاد إلى أقرب مذكور ، فكان يتوهّم أن الإخبار عن قوم تبّع خاصة ، فلما قال : (إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ) (٧) ، علم أنه يريد كلّ فريق منهم كذب ، لأن إفراد الخبر عن «كل» حيث وقع إنما يدل على هذا المعنى.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٢) في المخطوطة (الطريقتين).
(٣) في الكشاف ٢ / ٣٧٣.
(٤) هو عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢ وبكتابه في ٣ / ٣٣٥.
(٥) ساقطة من المخطوطة.
(٦) الآية في المخطوطة (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) (ق : ١٤).