ويجوز أن يؤتى بالكلام على أصله ، فتؤكّد الكلام (١) ب «كل» فتقول : خذ من الثمرات كلها.
(٢) [فإن قيل : فإذا استوى الأمران في قوله : كلّ من كلّ الثمرات ، وكلّ من الثمرات كلّها] (٢) ، فما الحكمة في اختصاص أحد الجائزين في نظم القرآن دون الآخر؟
قال السهيليّ (٤) في «النتائج» : «له حكمة ، وهو أن «من» في الآية لبيان الجنس لا للتبعيض ، والمجرور في موضع المفعول لا في موضع الظرف ، وإنما يريد الثمرات أنفسها ، لأنه أخرج منها شيئا ، وأدخل «من» لبيان الجنس كلّه. ولو قال : «أخرجنا به من الثمرات كلّها» لقيل : أيّ شيء أخرج منها؟ وذهب التوهّم إلى أن المجرور في موضع ظرف وأن مفعول (أخرجنا) فيما بعد ، وهذا يتوهّم مع تقدّم «كلّ» لعلم المخاطبين أن «كلا» إذا تقدمت اقتضت الإحاطة بالجنس ، وإذا تأخرت اقتضت الإحاطة بالمؤكّد بتمامه ؛ جنسا شائعا كان أو معهودا.
وأما قوله تعالى : (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (النحل : ٦٩) ، ولم يقل «من الثمرات كلها» ففيه الحكمة السابقة ، وتزيد فائدة ، و [هي] (٥) أنه قد تقدمها في النّظم : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ ...) (النحل : ٦٧) الآية.
فلو قال بعدها : «[ثم] (٥) كلي من الثمرات كلها» لأوهم أنها للعهد المذكور قبله ، فكان الابتداء ب «كلّ» احضر للمعنى ، وأجمع للجنس ، وأرفع للبس.
وأما المقطوع عن الإضافة ، فقال السّهيليّ : حقها أن تكون مبتدأة مخبرا عنها ، أو مبتدأة منصوبة بفعل بعدها لا قبلها ، أو مجرورة يتعلق خافضها بما بعدها ، كقولك : كلاّ ضربت وبكلّ مررت. فلا بد من مذكورين قبلها ، لأنه إن لم يذكر قبلها جملة ، ولا أضيفت إلى جملة ، بطل معنى الإحاطة فيها ، ولم يعقل لها معنى».
واعلم أن لفظ «كل» لأفراد التذكير ، ومعناه بحسب ما يضاف إليه ، والأحوال ثلاثة :
__________________
(١) في المخطوطة (المعرفة).
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٤) هو عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي تقدم التعريف به في ١ / ٢٤٢ ، وبكتابه في ٣ / ٣٣٥.
(٥) ساقطة من المخطوطة.