عقيب (١) الأول بلا مهلة ، وإن كان الفعل يقتضي زمنا قصيرا ظهر التعقيب بين الفعلين ؛ فالآية واردة على التقدير الأول (٢) [لأن بين النطفة وبين العلقة ، وبين زمن العلقة وزمن المضغة طولا كما ورد في الخبر (٣) وعند انقضاء زمن الأول يشرع في الثاني بلا مهلة] (٢) ؛ فلا ينافي معنى الفاء.
والحاصل أن المهلة بين الثاني والأول بالنسبة إلى زمن الفعل ؛ (٤) [وأما بالنسبة إلى الفعل] (٤) فوجود الثاني عقب الأول من غير مهلة بينهما ، هذا كله في سورة المؤمنين.
وقال في سورة الحج : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) (الآية : ٥) فعطف الكل ب «ثم» ، ولهذا قال بعضهم : ثمّ لملاحظة أول (٥) زمن المعطوف عليه ، والفاء لملاحظة آخره ؛ وبهذا يزول سؤال أن المخبر عنه واحد وهو مع أحدهما بالفاء وهي للتعقيب ، وفي (٦) الأخرى بثم وهي للمهلة ، وهما متناقضان.
وقد أورد الشيخ عز الدين (٧) هذا السؤال في قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الزمر : ٧) ، وفي أخرى : (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ) (الأنعام : ٦٠).
وأجاب بأنّ أول ما تحاسب أمة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم الأمم بعدهم ، فتحمل الفاء على أول المحاسبين ؛ ويكون من باب نسبة الفعل إلى الجماعة إذا صدر عن بعضهم ؛ كقوله تعالى : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) (آل عمران : ١٨١) ، ويحمل «ثم» على تمام الحساب.
فإن قيل : حساب الأولين متراخ عن البعث ، فكيف يحسن الفاء؟ فيعود السؤال.
__________________
(١) في المخطوطة (عقب).
(٢) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(٣) إشارة إلى حديث عبد الله بن مسعود رضياللهعنه وأوله «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يوما نطفة ...» ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٠٣ ، كتاب بدء الخلق (٥٩) ، باب ذكر الملائكة (٦) ، الحديث (٣٢٠٨) ، ومسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٣٦) ، كتاب القدر (٤٦) ، باب كيفية الخلق الآدمي ...
(١) ، الحديث ١ / ٢٦٤٣).
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.
(٥) عبارة المخطوطة (لملاحظته الأول).
(٦) في المخطوطة (وهي في).
(٧) هو عبد العزيز بن عبد السلام تقدم التعريف به في ١ / ١٣٢.