وجعل منه ابن مالك قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج : ٦٣). وتؤولت على أنّ «تصبح» معطوف على محذوف تقديره «أتينا به فطال النبت ، فتصبح».
وقيل : بل هي للتعقيب ، والتعقيب على ما بعد في العادة ، تعقيبا لا على سبيل المضايفة ، فربّ سنين بعد الثاني عقب الأول في العادة ؛ وإن كان بينهما أزمان كثيرة ، كقوله [تعالى] : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا). قاله ابن الحاجب (١).
وقيل : بل للتعقيب الحقيقي على بابها ؛ وذلك لأن أسباب الاخضرار عند زمانها ؛ فإذا تكاملت أصبحت مخضرّة بغير مهلة ، والمضارع بمعنى الماضي يصحّ عطفه على الماضي ، وإنما لم ينصب على جواب الاستفهام لوجهين :
أحدهما : أنه بمعنى التقرير ، أي قد رأيت ، فلا يكون له جواب ؛ لأنه خبر.
والثاني : أنّه إنما ينصب ما بعد الفاء ؛ إذا كان الأول سببا له [٣٠٠ / أ] ، [ورؤيته] (٢) لإنزال الماء ليست سببا لاخضرار الأرض ؛ إنما السبب هو إنزال الماء ؛ ولذلك عطف عليه.
وأما قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) (النحل : ٩٨) ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (المائدة : ٦) ، فالتقدير : فإذا أردت ؛ فاكتفى بالسبب عن المسبب. ونظيره : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) (٣) (الأعراف : ١٦٠) ، أي فضرب فانفجرت.
وأما قوله : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ (٤) [عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً] (٤)) (المؤمنون : ١٤) ، فقيل : الفاء في (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ) ، (٥) [وفي (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ)] (٥) وفي (فَكَسَوْنَا) بمعنى «ثم» لتراخي معطوفها.
وقال صاحب (٦) «البسيط» : طول المدة وقصرها بالنسبة إلى وقوع الفعل (٧) [فيهما ؛ فإن كان الفعل] (٧) يقتضي زمنا طويلا [طالت] (٧) المهلة وإن كان في التحقيق وجود الثاني
__________________
(١) هو عثمان بن عمر تقدم التعريف به في ١ / ٤٦٦.
(٢) ساقطة من المخطوطة.
(٣) في المخطوطة (البحر) وعليه تكون الآية (٦٣) من سورة الشعراء ، وليست موضع الشاهد.
(٤) ما بين الحاصرتين من الآية ليس في المخطوطة.
(٥) ما بين الحاصرتين ليس في المطبوعة.
(٦) هو الحسن بن شرف شاه الأسترآباذي تقدم التعريف به وبكتابه في ٢ / ٤٦٤.
(٧) ما بين الحاصرتين ساقط من المخطوطة.