و [لهذا] (١) لمّا استعمل الحاسة جمعه بقوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) (البقرة : ١٩) وقال : (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) (فصلت : ٥).
(وقيل) : في الكلام حذف مضاف ، أي على حواسّ سمعهم. (وقيل) : لأنّ متعلق السمع الأصوات ، وهي حقيقة واحدة ، ومتعلّق البصر الألوان والأكوان ، وهي حقائق مختلفة ، فأشار في كلّ منهما إلى متعلّقه. ويحتمل أن يكون البصر الذي هو نور العين معنى يتعدّد بتعدد المقلتين ، ولا كذلك السمع ، فإنه معنى واحد ، ولهذا إذا غطيت إحدى العينين ينتقل نورها إلى الأخرى ، بخلاف السمع ، فإنه ينقص بنقصان أحدهما.
٤ ـ / ٢٠ وقال الزمخشريّ (٢) في قوله تعالى : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) (البقرة : ١٩) أجرى الرعد والبرق على أصلهما مصدرين ، فأفردهما دون الظلمات ، يقال : رعدت السماء رعدا ، وبرقت برقا ، والحق أن الرعد والبرق مصدران (٣) ، فأفردهما. أو هما مسببان عن سبب لا يختلف ، بخلاف الظلمة ، فإن أسبابها [٢٥٢ / أ] متعددة.
ومنها حيث ذكر «الكأس في القرآن كان مفردا ، ولم يجمع (٤) في قوله تعالى : (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ) (الواقعة : ١٨) ولم يقل : «وكئوس» ، لأن الكأس إناء فيه شراب ، [فإن لم يكن فيه شراب] (٥) فليس بكأس ، بل قدح. والقدح إذا جعل فيه الشراب فالاعتبار للشراب ، لا لإنائه ، لأنّ المقصود هو المشروب ، والظرف اتخذ للآلة ، ولو لا الشراب والحاجة إلى شربه لما اتّخذ ، والقدح مصنوع والشراب جنس ، فلو قال : «كئوس» لكان اعتبر حال القدح والقدح تبع ، ولما لم يجمع اعتبر حال الشراب ، وهو أصل ، واعتبار الأصل أولى. فانظر كيف اختار الأحسن من الألفاظ!
وكثير من الفصحاء قالوا : دارت الكئوس ، ومال الرءوس ؛ فدعاهم السجع إلى اختيار غير الأحسن ، فلم يدخل كلامهم في حدّ الفصاحة ، والذي يدلّ على ما ذكرنا أنّ الله تعالى لما ذكر الكأس واعتبر الأصل ، قال : (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (الواقعة : ١٨) فذكر الشراب.
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) انظر الكشاف ١ / ٤١ عند تفسير الآية (١٩) من سورة البقرة.
(٣) في المخطوطة (ملكان).
(٤) في المخطوطة (ولم يجمعه).
(٥) ليست في المخطوطة.