ـ أحدهما : أنه من عمى القلب الذي يتولّد من الضلالة ، وهو مما يقبل الزيادة والنقص ، لا من عمى البصر الذي يحجب المرئيات عنه. وقد صرح ببيان هذا المعنى قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج : ٤٦) وعلى هذا فالأول اسم فاعل والثاني أفعل تفضيل ، من فقد البصيرة.
ـ والثاني : أنه من عمى العين ، والمعنى : من كان في هذه أعمى من الكفار ؛ فإنه يحشر أعمى ، فلا يكون «أفعل تفضيل». ومنهم من حمل الأوّل على [أنه] (١) عمى القلب ، والثاني على فقد البصيرة ، وإليه ذهب أبو عمرو (٢) ، فأمال الأوّل ، وترك الإمامة في الثاني ؛ لما كان اسما ، والاسم أبعد من الإمالة.
ـ (الخامسة) : يكثر حذف المفضول إذا دلّ عليه دليل ، وكان «أفعل» خبرا ، كقوله تعالى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (البقرة : ٦١). (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا) (البقرة : ٢٨٢). (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (آل عمران : ٣٦). (وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران : ١١٨). (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (النحل : ٩٥). (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف : ٤٦). (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (مريم : ٧٣). (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) (مريم : ٧٥).
وقد يحذف المفضول و «أفعل» ليس بخبر ، كقوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (طه : ٧).
ـ (السادسة) : قد يجيء مجرّدا عن معنى التفضيل (٣) ، فيكون للتفضيل لا للأفضلية. ثم هو تارة يجيء مؤوّلا باسم فاعل ، كقوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (النجم : ٣٢). ومؤولا بصفة مشبّهة. كقوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم : ٢٧). ف «أعلم» هاهنا بمعنى «عالم بكم» ، إذ لا مشارك لله تعالى في علمه بذلك ، «وأهون عليه» بمعنى هيّن ، إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تعالى.
__________________
(١) ليست في المطبوعة.
(٢) تصحف في المخطوطة إلى (ابن عمرون) ، والصواب ما أثبتناه وهو أبو عمرو بن العلاء المقرئ تقدم التعريف به في ١ / ١٥٠ ، وانظر قراءته في «إتحاف فضلاء البشر» ص ٢٨٥ عند سورة الإسراء.
(٣) عبارة المخطوطة (مجردا على أفعل التفضيل).