[وفي موضع آخر : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ)] (١) (الأنبياء : ٧٦).
وزعم ابن جنيّ في كتاب «الخصائص» (٢) أنه لا يجوز فعل المطاوعة إلا بالفاء. وأجاب عن قوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) (الكهف : ٢٨) ، بأنّ «أغفل» في الآية بمعنى وجدناه غافلا ، لا جعلناه يغفل ، وإلا لقيل : «فاتبع هواه» بالفاء ؛ لأنه يكون مطاوعا. وفي كلامه نظر ؛ لأنّا نقول : ليس اتّباع الهوى مطاوعا ل «أغفلنا» ، بل المطاوع ل «أغفلنا» ، غفل.
(فإن قيل) : إنه من لازم الغفلة اتباع الهوى ، والمسبّب عن السبب سبب.
(قيل) : لا نسلّم أن اتّباع الهوى مسبّب عن الغفلة ، بل قد يغفل عن الذكر (٣) ولا يتبع الهوى ، ويكون المانع له منه غفلة أخرى عنه (٤) [كما حصلت له غفلة عن الذكر ، أو ترد به ، أو خوف الناس ، علمنا أنه مسبب عنها ، إلا أن كلامنا في المسبب المطاوع ، لا في المسبب مطلقا وتسبب اتباع الهوى عن الغفلة ليس عن المطاوعة] (٤).
واعلم أن الحامل لأبي الفتح على هذا الكلام اعتقاده الاعتزاليّ أنّ معصية العبد (٥) لا تنسب إلى الله [تعالى] ؛ وأنّها مسبّبة له ، فلهذا جعل «أفعل» هنا بمعنى «وجد» لا بمعنى التعدية خاصة. وقد بينا ضعف كلامه ، وأنّ المطاوع لا يجب عطفه بالفاء.
وقال الزمخشري (٦) في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) (النمل : ١٥) : «هذا موضع الفاء ، [كما] (٧) يقال : أعطيته فشكر ، ومنعته فصبر ؛ وإنما عطف بالواو للإشعار بأن ما قالاه (٨) بعض ما أحدث فيهما [إيتاء] (٩) العلم ، [فأضمر ذلك ثم عطف عليه بالتحميد] (٩) كأنه قال : فعملا به وعلّماه ، وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة ، وقالا الحمد لله».
__________________
(١) ليست في المخطوطة.
(٢) انظر «الخصائص» ٣ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية.
(٣) في المخطوطة (عن الهوى).
(٤) ليست في المطبوعة.
(٥) في المخطوطة (أن معصيته).
(٦) انظر «الكشاف» ٣ / ١٣٥ عند تفسير الآية من سورة النمل.
(٧) ليست في المخطوطة.
(٨) تصحفت في المخطوطة إلى (وإنما لاقاه).
(٩) زيادة من الكشاف يقتضيها النص.