وقال السكّاكي (١) : «يحتمل عندي أنّه تعالى أخبر عمّا صنع بهما ، وعمّا قالا ؛ كأنه قال : نحن فعلنا إيتاء العلم ، وهما فعلا الحمد ، من غير بيان ترتّبه عليه اعتمادا على فهم السامع ، كقولك : «قم يدعوك» بدل «قم فإنه يدعوك».
وأما قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (البقرة : ٢٨٢) ؛ فظنّ بعض الناس أنّ التقوى سبب التعليم ، والمحققون على منع ذلك ؛ لأنّه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط ، فلم يقل : «واتقوا الله [و] (٢) يعلّمكم» ولا قال : «فيعلمكم الله» ، وإنما أتى بواو العطف ، وليس فيه ما يقتضي أن الأوّل سبب للثاني ، وإنما غايته الاقتران والتلازم ، كما يقال : زرني وأزورك ، وسلّم علينا ونسلّم عليك ، ونحوه ، مما يقتضي اقتران الفعلين والتعارض من الطرفين ، كما لو قال لسيّده : أعتقني ولك عليّ ألف ، أو قالت المرأة لزوجها :
طلقني ولك [علي] (٢) ألف ؛ فإنّ ذلك بمنزلة قولها : بألف أو على ألف. وحينئذ فيكون متى علّم الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك.
ونظير الآية (٣) قوله تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود : ١٢٣). وقوله عقيب ذكر الغيبة : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات : ١٢) ، ووجه هذا الختام (٤) التنبيه على التوبة من الاغتياب ، وهو من الظّلم. وهاهنا بحث ، وهو أن الأئمة اختلفوا في أنّ العلم هل يستدعي مطاوعة أم لا! على قولين :
ـ (أحدهما) : نعم ، بدليل قوله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) (الأعراف : ١٧٨) ، فأخبر عن كلّ من هداه الله بأنه يهتدي. وأما قوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (فصلت : ١٧) ، فليس منه لأن المراد بالهداية فيه الدعوة ، بدليل : (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (٥) (فصلت : ١٧).
ـ (والثاني) : لا يدلّ على المطاوعة ، بدليل قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً)
__________________
(١) انظر «مفتاح العلوم» ص ٢٧٨ الفن الرابع في الفصل والوصل والإيجاز والإطناب ، ضمن الإيجاز.
(٢) ليست في المطبوعة.
(٣) عبارة المخطوطة (ونظيره قوله تعالى).
(٤) في المخطوطة (المقام).
(٥) في المخطوطة زيادة (كما سبق).