منهم.
فهذا هو الكلام في أن الفاسق يستحق العقوبة من الله تعالى وأنه لا ينفعه ثواب إيمانه بالله تعالى وبرسوله بعد ارتكابه الكبيرة إلا إذا تاب.
الفاسق يفعل به ما يستحقه :
وأما الكلام في أنه يفعل به ما يستحقه ، فالخلاف فيه مع مقاتل بن سليمان وجماعة من الخراسانية والكرامية ، فإنهم يذهبون إلى أن الفاسق لا يعاقب بل لا يعاقب أيضا المشرك ، ويقولون : إن الشرك مما لا معنى له ، غير أنهم لا يظهرون هذا المذهب لكل أحد بل يسرونه.
والذي يدل على فساد مذهبهم هذا ، العقل والشرع.
أما العقل ، فهو أن الفاسق إذا علم أنه لا يعاقب وإن ارتكب الكبيرة كان يكون مغرى على القبيح ، ويكون في الحكم كأن قيل له : افعل فلا بأس عليك.
وأما الشرع ، فهو أن الأمة اتفقت على أن المشرك يعذب بين أطباق النيران ، ويعاقب أبد الآبدين ودهر الداهرين ، فكيف يصح إطلاق القول بأنه لا يعاقب؟
وكما يقع الخلاف في هذه المسألة مع هؤلاء فقد يقع مع طائفة أخرى يقولون : إن الله تعالى يجوز أن يعفو عن الفاسق ، ويجوز أن يعاقب ، ولا ، يعلم حقيقة ذلك وهو الذي تقوله المرجئة الأول.
والذي يدل على فساد هذا المذهب ، طريقان اثنان : أحدهما طريقة مركبة من العقل والسمع ، والأخرى طريقة سمعية.
أما المركبة ، فهي أن الفاسق لا يخلو ، إما أن يدخل الجنة أو النار ، إذ لا دار بينهما. فإن دخل النار فهو الذي نقوله ، وإن دخل الجنة فلا يخلو ، إما أن يكون مثابا أو متفضلا عليه ، لا يجوز أن يكون مثابا لأن إثابة من لا يستحق الثواب يقبح ، ولا يجوز أن يدخل الجنة متفضلا عليه لأن الأمة قد اتفقت على أن المكلف إذا دخل الجنة ، يجب أن يكون حاله متميزا عن حال الولدان المخلدين ، فيجب أن يكون معاقبا على ما نقوله.
وأما السمعية في هذا الباب ، فهو أن يستدل بعمومات الوعيد على ذلك. وإذا