أن يكون مستحقا للعقوبة ، وكذلك فقد قال تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) [النور : ٢] وهذا يدل على أن الزاني مستحق للعقوبة ، وكذلك فقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) الآية ، واللعن هو الطرد والتبعيد من الرحمة والثواب ، بدليل قول الشاعر :
دعوت به القطا ونفيت عنه |
|
مكان الذئب كالرجل اللعين |
ولن يكون ذلك كذلك ، إلا وهو مستحق للعقوبة من جهة الله عزوجل وهكذا فقد قال تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهذا يدل على ما ذكرناه أيضا.
فإن قيل : كيف يمكن الاستدلال بإقامة الحد على كون المحدود مستحقا للعقاب ، مع أن الحدود كما تقام على الفاسق فقد تقام على التائب ، وعلى هذا يروى أن ما عزا رجم بعد التوبة ، وكذلك لعامرية مع أنها تابت توبة نصوحا رجمت.
قيل له : أول ما في ذلك ، أن هذه مسألة خلاف :
فمن مذهب بعض الفقهاء أن التائب لا يقام عليه الحد ، اللهم إلا إذا كان من حقوق الآدميين نحو القصاص وما جرى مجراه ، هذا أحد قولي الشافعي. فعلى هذا لا كلام.
وإذا قلنا بأنه يقام عليه الحد كما يقام على الفاسق ، كان الجواب عنه : إنا لم نستدل بمجرد الحد على استحقاقه للعقوبة ، بل قلنا : إنه يحد على طريق الجزاء والنكال ، ولن يكون كذلك إلا وهو مستحق للعقوبة ، وليس هذا حال التائب ، فمعلوم أنه لا يحد بالآية جزاء ونكالا ، وإنما يقام عليه الحد تطهيرا على طريق الابتلاء والامتحان ، فيكون سبيل هذه الآلام النازلة به سبيل الأمراض التي ينزلها الله تعالى بالصالحين من عباده ابتلاء وامتحانا.
وأما حديث ماعز والعامرية ، فإن من خالف في إقامة الحد على التائب قال : إن ماعز لم يتب على الحقيقة ، ولهذا لما أخذه حر الحجارة قال : غرني قومي وفر حتى قتله بعضهم بعظم رماه به ، وليس هذا من كلام التائب في شيء ، ويذكر شيئا شبيها بهذا في توبة العامرية ، فالأولى أن نسلك في الجواب على ذلك ما ذكرناه ، وهو أنهما إنما حدا تطهيرا على طريق الابتلاء والامتحان ، لا على سبيل الجزاء والنكال ، فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم في حق العامرية : أنها تابت توبة لو تابها من بين الأخشبين لقبل