فإنه من المتعلقات بالأغيار ، وعندكم أنه يتعلق بالضدين ، حتى إن العجز عن الشيء عجز عن ضده ، ومن هاهنا استدل بعض مشايخنا على أن القدرة صالحة للضدين متقدمة للمقدور ، فقال : قد ثبت أن العجز عن الشيء عجز عن ضده فيجب مثله في القدرة لأنهما ضدان ، ومن حق الضدين أن يتعلق أحدهما بما يتعلق به صاحبه ، ويكون تعلق أحدهما على العكس من تعلق الآخر. إذا ثبت هذا ، فلو كان العجز صالحا للضدين والقدرة غير صالحة لهما ، لكان لا يمتنع أن يطرأ أحدهما على الآخر فينفيه من وجه دون وجه ، وذلك حال. وإذا صح كونها صالحة للضدين ، وجب تقدمها للمقدور والإلزام وجود الضدين جميعا.
ثم يقال لهم : وكيف أجريتم المتعلقات بالأغيار مجرى واحدا مع أن الشهوة والعلم يشتركان في التعلق ، ثم إن من حق الشهوة أن لا تتعلق إلا بالمدركات بخلاف العلم والإرادة ، فإنهما يتعلقان بالمدركات وقد لا يتعلقان بذلك.
وأحد ما يتعلقون به ، قولهم : إن القدرة عون على الفعل ، فكان يجب أن تكون مقارنة له. قلنا : لا نسلم أن القدرة بمجردها عون ، وإنما العون هو التمكين من الفعل وإرادة الفعل ، حتى لو يمكن غيره من قتل آدمي بأن يدفع إليه سكينا ولا يريد منه قتله ، وإنما دفع إليه ذلك لأن يذبح به بقرة ، فإنه متى قتل آدميا لم نقل : إنه أعانه على قتله لما لم يرد منه قتله فلا يصح ما ذكرتموه. وإذ قد صح أن العون ليس هو مجرد القدرة ، لم يمكن قياس أحدهما على الآخر. وفي شبههم كثرة ، وأكثرها يرجع إلى بعض ما تقدم فاقتصرنا بها.
فصل : في أنه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي
الإرادة فعل :
واتصال هذا الفصل بباب العدل ظاهر ، فإن الإرادة فعل من الأفعال ، ومتى تعلقت بالقبيح فتجب لا محالة ، وكونه تعالى عدلا يقتضي أن تنفي عنه هذه الإرادة.
وقبل البيان في المسألة نبين حقيقة : الإرادة ، والكراهة ، والمريد ، والكاره. ثم نتكلم على إثبات هذه الصفة لله عزوجل ، وفي كيفية استحقاقه له. ثم نتكلم من بعد ، فيما يجوز أن يريده الله وما لا يجوز.
فالإرادة هو ما يوجب كون الذات مريدا ، والكراهة ما يوجب كونه كارها.