عليهم ما أرادوا. وكادت تكون حرب لو لا أن الرسول رضى بصلح بينه وبينهم وإن كان قاسيا ، إيثارا منه للمسالمة وحبا للسلام العام. ثم قفل راجعا على أن يؤدى نسكه فى العام القابل نزولا على مواد هذا الصلح القاسى. وعز ذلك على أصحابه ، واتخذ المنافقون منه حطبا لنفاقهم ومادة لدسهم ولمزهم ، فقال عبد الله بن أبى رأسهم : والله ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام. ولكن على رغم هذا وعلى رغم ما هو معروف من غدر قريش ونكثهم العهود وتقطيعهم الأرحام ، نزلت الآية الكريمة تحمل هذا الوعد بل تلك الوعود الثلاثة المؤكدة ، وهى دخول مكة وأداء النسك والأمن على أنفسهم من قريش حتى يتحللوا ويقفلوا راجعين إلى المدينة. وقد أنجز الله وعده فتم الأمر على أكمله فى العام الذى بعد عام الحديبية. (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)!.
(المثال السابع) تنبأ الكفار بهزيمة جموع الأعداء فى وقت لا مجال فيه لفكرة الحرب ، فضلا عن التقاء الجمعين وانتصار المسلمين وانهزام المشركين وذلك قوله سبحانه فى سورة القمر المكية : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وأنت خبير بأن الجهاد لم يشرع إلا فى السنة الثانية للهجرة. فأين ما يتنبأ به القرآن إذن؟ إنه لا بد أن يكون كلاما تنزل ممن يعلم الغيب فى السموات والأرض. أما محمد الرجل الأمى فأنى له ذلك إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم؟. روى ابن أبى حاتم وابن مردويه أن عمر رضى الله عنه جعل يقول حين نزلت هذه الآية : أى جمع هذا؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقولها.
(المثال الثامن) تنبأ القرآن فى مكة بهذا المستقبل الأسود الذى ينتظر كفار قريش ، ثم وقوع ذلك كما تنبأ. اقرأ قوله سبحانه : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ* رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ ؛ إِنَّا مُؤْمِنُونَ* أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ* ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ* إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ* يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) : وسبب نزول هذه